حسناً فعلت وزارة التعليم العالي مؤخراً إذ تعاقدت مع شركة عالمية لفحص جميع الشهادات العلمية العليا التي تقدم بها مواطنون سعوديون طمعاً في شغل وظيفة أكاديمية أو ترقية على وظيفة إدارية أو مجرد الاحتفاء بالانضمام إلى بشكة حرف (الدال). طبعاً لم تكن الوزارة لتقدم على هذه الخطوة (المكلفة مالياً) لولا بروز ظاهرة الشهادات المضروبة التي يتظاهر أصحابها بأنهم استحقوها عن علم، في حين لم يستحقوها إلا عن جهل مركب ومال مدفوع. ولئن كان (اللطش) من بحث أو ورقة أو مقال لمجرد استكمال بحث أو مقال، يُعد جريمة مركبة وانتكاسا أخلاقيا، وتزويرا فاضحا، فان لطش شهادة علمية يتجاوز ذلك بكثير إلى درجات دنيا من الانهيار الأخلاقي المريع. أن تسرق مالا لأهون بكثير من سرقة شهادة علمية، فضرر الأولى محدود، وأما الثانية فعملية كذب مستمرة طوال الوقت.. كذب على الله والناس والمجتمع. ولئن نُفي عن المسلم حال الإيمان عندما يكذب مؤقتاً، فكيف بحال المقيم في دائرة متصلة من الكذب على طريقة 24/7 أي على 24 ساعة يوميا على مدار الأسبوع. السؤال المهم الذي يلي عملية الكشف: ما هي الإجراءات التي سُتتخذ بحق هؤلاء المزورين والسارقين والكاذبين؟ هل سيُكتفى مثلاً بإرسال خطابات رقيقة إليهم تبين لهم سوء فعلتهم بلطف بالغ واستحياء شديد؟ أم أنه سيُكتفى بإشعار جهات العمل التي ينتمون إليها إن كانوا موظفين، أو إحاطة الغرف التجارية الصناعية بأن سعادة التاجر (المليونير) ليس إلا تاجراً ومليونيراً، لكن لا دكتوراً ولا يحزنون. وإذا كانت الإجراءات المتخذة لا تتجاوز إلقاء الكرة على جهة أخرى، فإن سيل التزوير لن يتوقف، طالما أن المخاطرة بسيطة، وديتها بضعة آلاف من الدولارات لا غير. لا بد هنا من الحزم والشدة بهدف ردع الآخرين الذين تسول لهم أنفسهم الشيء نفسه، وعندما يكون الثمن باهظًا يكبر عامل المخاطرة ويقل عدد المخاطرين. وأهم من التشريع نفسه العزم على تطبيقه، فما أكثر التشريعات والقوانين ولكن قليل منها ما يجد تطبيقاً كاملاً، إذ تلعب عوامل عديدة على تحاشي التنفيذ الكامل. إنها مهمة صعبة سهلة أو سهلة صعبة.