في الوقت الذى كانت تتجه فيه الانظار الى ماعرف بالربيع العربي ، أبى الاوروبيون الا ان يستلهموا روح ميدان التحرير وتونس وبنى غازي ويصنعوا ربيعهم الاوروبي بالطريقة الديموقراطية التى لاتسيل فيها الدماء .. جورج بابندريو رئيس وزراء اليونان الذى يبلغ من العمر 59 عاماً اعلن تنحيه عن رئاسة الوزراء في السابع من نوفمبر 2011 ليكمل قرابة السنتين في السلطة ، لكنه بالطبع لم يكن محظوظاً اذ ان الازمة المالية العالمية التى ضربت العالم اواخر عام 2007 وعام 2008 امتدت الى اليونان لتفاقم جراحها ويكون رئيس وزرائها اول ضحايا الربيع الاوروبي .. اليونان ذات التعداد السكانى 11 مليون نسمة ، وذات الناتج المحلى الذى يبلغ 305 مليارات دولار (يعادل 1% من الناتج المحلى للاتحاد الاوروبي ، ويعادل ثلثى الناتج المحلى للمملكة العربية السعودية ) ، صنفت بأنها اعلى الدول الاوربية من ناحية الدين العام الذى يبلغ قرابة 430 مليار دولار أو مانسبته 143% من الناتج المحلى اى بزيادة تبلغ مرتين ونصف عن المعايير الاوروبية التى لاتسمح بزيادة الدين العام عن 60% ، كما بلغ عجز الميزانية قرابة 12.5% وهو مايعادل اربعة اضعاف المعايير التى وضعتها اتفاقية ماسترخت للعملة الاوروبية الموحدة ، وقد حصلت اليونان على تخفيض تصنيفها الائتمانى من قبل وكالات التصنيف الائتمانى لتصبح اضعف دولة في منطقة اليورو . لكن أزمة اليونان لم تكن مسببة بالظروف العالمية فقط ، وانما بالانفاق غير المنضبط للحكومة اليونانية الامر الذي فاقم عجز الميزانية ، وحول الجمهورية من اسرع الدول الاوروبية نموا الى دولة يخيم عليها الركود الاقتصادي والدين والبطالة والاضطرابات السياسية .. ليس بعيدا عن اليونان ، سنذهب الى ثالث اكبر اقتصاد في منطقة اليورو ، احدى دول مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين ، انها ايطاليا التى يبلغ ناتجها المحلى قرابة 2 تريليون دولار ( يعادل 12.5% من الناتج المحلى للاتحاد الاوروبي ، ويعادل قرابة اربعة اضعاف ونصف اقتصاد المملكة العربية السعودية ) هى الاخرى وقعت رهينة لعجز الميزانية وارتفاع نسبة الدين العام وتخفيض التصنيف الائتمانى وارتفاع الفائدة على السندات ، الامر الذى اضعف قدرتها على الاقتراض وعصف بها سياسياً واطاح برئيس وزرائها سلفيو برلسكونى امبراطور المال والاعلام الذى حكم ايطاليا 3 فترات رئاسية .. الربيع الاوروبي الذى بدأ عام 2011 يبدو انه سيستمر في العام القادم وانه مرشح وبدرجة كبيرة ان يزور بريطانيا وبلجيكا والبرتغال وايرلندا وربما فرنسا وهى الدول التى شابهت اليونان وايطاليا من ناحية الخلل في التركيبة الاقتصادية .. خبير اقتصادي ومحلل مالي