لقد كتب الله على عباده أن كل أمة تستبدل الضلال بالهدى، وتتخلى عن خصائصها أنها أمة لا تزال في تقهقر، وتلاشٍ، واضمحلال في فكرها وقوتها وسلوكها. يقول عليه الصلاة والسلام: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ اليَهُودَ والنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟)، وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن تشبّه بقوم فهو منهم). وتحريم التشبّه بالكفار إنما هو في عباداتهم، وعاداتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها، دون ما يصنعونه ويخترعونه ممّا يمكن أن يُستفاد منه، فلا حرج على المسلمين من مشاركتهم في هذا، بل ينبغي للمسلمين أن يكونوا السبّاقين إليه، والمبدعين فيه. وقد حكى العلماء -سلفًا وخلفًا- بالإجماع تحريم التشبّه بالكفار في الأمور التعبدية، والتي تفتح بابًا إلى المحظور، وكذلك المشاركة لهم في أعيادهم. يقول ابن القيم -رحمه الله- فيمن هنأهم بأعيادهم: «إنه إن سلم من الكفر قائله فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئهم بسجودهم للصليب». وقد سُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عن أعياد الميلاد فأجاب بقوله: الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع المطهر، بل هو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، متفق على صحته. وفي لفظ لمسلم، وعلقه البخاري -رحمه الله- في صحيحه جازمًا به: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده مدة حياته، ولا أمر بذلك، ولا علمه أصحابه، فلو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم مشروعًا لبادروا إليه، وهكذا العلماء في القرون المفضلة لم يفعله أحد منهم، ولم يأمر به. فعلم بذلك أنه ليس من الشرع الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، ونحن نشهد الله سبحانه وجميع المسلمين أنه صلى الله عليه وسلم لو فعله، أو أمر به، أو فعله أصحابه -رضي الله عنهم- لبادرنا إليه، ودعونا إليه. لأننا -والحمد لله- من أحرص الناس على اتباع سنته وتعظيم أمره ونهيه. (انتهى). وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: عن حكم الاحتفال بما يُسمَّى عيد الأم؟ فأجاب فضيلته بقوله: إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع «يوم الجمعة»، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة. وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها، وباطلة في شريعة الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أي مردود عليه، غير مقبول عند الله.. والواجب على المسلم أن يعتز بدينه، وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. والأم أحق من أن يحتفى بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها طاعتها ورعايتها في كل زمان ومكان. أقول: قد حبانا الإسلام بشخصية يفتقر لها الآخرون، فاعتزوا بها أيُّها المسلمون.. أخيرًا أتساءل: لماذا لا يحتفل المسيحيون بأعيادنا؟!.