إدارة أم إرادة إنسانية؟ سؤال فرض نفسه بقوة مع نجاح إدارة الشؤون الإنسانية التابعة لمنظمة التعاون الاسلامي والتي شكلها الأمين العام للمنظمة أكمل الدين احسان أوغلي عام 2008 في مواجهة أخطار الجفاف. وبعد ثلاث سنوات فقط من مباشرة عملها، أصبحت الإدارة الإنسانية رقما صعبا لا يمكن تجاوزه، إذ أبدت فاليري آموس، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية رغبة منظمتها في توسيع نطاق العمل مع منظمة التعاون الإسلامي، في كل من الصومال ومناطق أخرى من العالم، خاصة بعد أن وقعت «التعاون الإسلامي» اتفاقا مع برنامج الغذاء العالمي في أكتوبر 2010، وافتتحت مكتبا لها في العاصمة الصومالية في مارس الفائت، أي قبل أشهر من الإعلان الرسمي عن كارثة المجاعة في الصومال. ويقول مسؤولون في الأمانة العامة للتعاون الإسلامي في جدة، إن التحدي الأكبر الذي واجه العمل الإنساني في العالم الإسلامي تمثل في الجمود الذي طرأ على منظومة الإغاثة الإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر، وما أسفرت عنه من قيود قانونية حدت من حركة الأموال لديها وبالتالي قدرتها على تلبية احتياجات البؤر المنكوبة. لكن المنظمة نجحت في توسيع دائرة نشاطها الإنساني من قطاع غزة إلى اليمن وباكستان وإندونيسيا وغيرقستان والنيجر ودارفور وصولا إلى أفغانستان وغيرها من الدول الإسلامية، كما عقدت العديد من مؤتمرات المانحين، بيد أن تفردها في الصومال كان نقطة تحول جذبت انتباه المجتمع الدولي بإمكانية أن تشكل شريكا أساسيا في عمليات المساعدة ضمن مجتمعات تعاني من الكوارث والتوجس السياسي والتدهور الأمني، الأمر الذي يجعل من الانخراط الإنساني لمنظمات الإغاثة التقليدية في كثير من البقع الإسلامية محفوفا بخطر الاصطدام والطرد. ثقة عالمية يقول السفير عطاء المنان بخيت، الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية في المنظمة، إن الاهتمام الدولي الكبير بعمل المنظمة في الصومال بات يعكس ثقة عالمية في دورها كموّجه ومحرك للعمل الإنساني في العالم الإسلامي، وأيضا كضمانة تكفل موضوعية العمل الإنساني. ويلفت بخيت إلى أنه يمكن ملاحظة هذا الاهتمام في عدة محطات من بينها اجتماع مجموعة الاتصال الدولية حول الصومال في الدنمارك، في 29 سبتمبر الماضي، والذي أشاد بدور «التعاون الإسلامي» الإنساني في الصومال، بالإضافة إلى مداخلة المبعوث الأمريكي الدائم لدى الأممالمتحدة والتي طالبت بإضافة فقرة تنوه بالدور الذي لعبته «التعاون الإسلامي» في الصومال إلى مقترح تقدمت به كل من كينيا وبولندا إزاء تعزيز العمل الإنساني في مواجهة موجة الجفاف في القرن الإفريقي، في أحد اجتماعات الجمعية العامة بالأممالمتحدة». ويزيد أن المنظمات الدولية لم تكتف بالإشادة البيانية بدور المنظمة بل باتت تطرق أبوابها للمزيد من التعاون، لافتا إلى أن راج شاه، مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي أشاد بالمنظمة في اجتماع خاص بالصومال في مقر الأممالمتحدة في 24 سبتمبر الماضي، قام بإرسال وفد إلى مقر الأمانة العامة بجدة في 9 أكتوبر الجاري، لبحث أوجه التعاون بين الجانبين. وبقدر ما كان الصومال منطقة غير آمنة بالنسبة للمنظمات الدولية، فقد شكلت حالة التماهي بين المجتمع الصومالي المسلم ومنظمة التعاون الإسلامي، منفذا للمنظمات الإسلامية وغيرها من العاملة تحت مظلتها، تلج من خلاله إلى الكيانات الصومالية الأكثر تعقيدا من الناحية الجيوسياسية. الاختبار الصعب يقول السفير عطاء إن المنظمة واجهت اختبارا صعبا في الصومال عندما أطلقت حملتها في أول أغسطس الماضي، لافتا إلى أن ضعف مؤسسات الدولة، والمنظمات الوطنية الإنسانية في الصومال كان تحديا حال دون انسياب البيانات الدقيقة لحقيقة الوضع هناك، لكن المشاكل الأساسية التي جعلت من مهمة تحالف «التعاون الإسلامي» والمنظمات المنخرطة فيه شائكة تمثلت في الوضع الأمني المتردي خاصة مع تغير مناطق الصراع والنفوذ بين حكومة شيخ شريف من جهة، وحركة شباب المجاهدين من جهة ثانية، وهو ما يجعل من عملية النفاذ إلى مناطق متقلبة بالضرورة، بطيئة ومقيدة للعاملين في المنظمات الإنسانية. ويضيف أن الغياب شبه الكامل للمنظمات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة، في مقابل الاحتياجات الإنسانية الهائلة في الصومال، عقد مهمة المنظمات الإنسانية العاملة تحت لواء تحالف «التعاون الإسلامي»، لافتا إلى أنه برغم هذه الصعاب فإن المنظمة نجحت في توزيع المساعدات التي حشد لها اجتماع وزراء الخارجية الإسلامي حول الصومال في اسطنبول في أغسطس الماضي، والتي بلغت قيمتها 350 مليون دولار. وأوضح أن النجاحات كانت متراكمة مع حشد مؤتمر المياه في الصومال في القاهرة في سبتمبر الماضي، 82 مليون دولار لحفر آبار مياه في 11 إقليمًا من الأقاليم الصومالية، فضلا عن عقد شراكات مع منظمات إغاثة إسلامية كان أبرزها الاتفاق مع الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الشعب الصومالي في الرياض 19 الشهر الجاري. وتعمل نحو 27 منظمة من مختلف الدول الأعضاء في المنظمة تحت مظلة تحالف «التعاون الإسلامي»، إضافة إلى منظمات تمثل الأقليات المسلمة في كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وجنوب إفريقيا. ويؤكد الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية أن المنظمة تهدف خلال الأشهر المقبلة إلى عقد مؤتمرات تناظر مؤتمر المياه، حيث تعتزم المضي بقوة فيما أسمته «فترة التعافي» التي من المفترض أن تتبع الحملة الطارئة لتقديم المساعدات المباشرة، ويشير عطاء المنان إلى أن عملية إعادة النازحين واللاجئين في المخيمات الصومالية المختلفة تعد مسألة أساسية في مرحلة التأهيل خاصة أن الموسم الزراعي بات يواجه ضررا كبيرا في ظل غياب مئات الآلاف ممن نزحوا إلى مناطق قريبة من مقديشيو. ويبقى السؤال عن قدرة منظمة التعاون الإسلامي التي استفادت من شهري رمضان وشوال في حشد دعم الحكومات والرأي العام لملايين المسلمين لمنكوبي الصومال، وإمكانية ديمومة هذه القدرة لتواكب حجم الكوارث التي تواجه دولا إسلامية عديدة في ظل حقيقة أخرى تقول إن 230 مليون شخص يعانون الفقر في العالم يعيشون عمليا في الأقطار الإسلامية!.