بالكاد يمشي ، يتحامل على نفسه ، يتجاوز الأوجاع ، و في جسده الكريم ألم الدنيا ، و على ظهره أثقال جسام و مسؤوليات عظام ، يراقب الذهول ذاك الوجه الأبوي البشوش ، فلا يجد أثرا لتألم و لا يقع على إشارة لجزع لا يجد إلا ابتسامته الفارقة تأبى أن تفارق محياه الأغر ، يطوف على غرف جنوده الجرحى أبطال معركة الحد الجنوبي فردا فردا ، و يقسم عليهم أن يتيحوا له تقبيل جباههم، فيقول أحدهم : يا بعد قلبي أنت و الله إنك غالي يا أبو خالد ! هل شهد هذا الموقف قلبُ إنسان و لم يفِز من مكانه و لم يدفع (غلا سلطان ) عصافير قلبه لتسلق القفص الصدري و الطيران لحضن سلطان ! نراجع في يوم فقده على مدار اللحظة تاريخه الدافق بالإنسانية، و كلماته المشرقة بالوعي و الأمل ، و ابتساماته المنتشرة كالربيع خلف كل موقف و بين كل كلمة وكلمة ، فلا نكتفي من إعادة المشاهد مرارا و تكرارا و في كل مرة تنساب عذوبة الحب في أوردتنا و تتدفق شلالات الفقد نبضا متسارعا في القلوب ودمعا سخينا في العيون، و آهات تقسم : والله إنك غالي يا أبو خالد ! يا والدي الحبيب .. تطوقني صورك العزيزة، تحاصرني إشراقاتك في كل محفل ، تملأ السمع و البصر و تحتل الروح بجيش عظيم قواته مسلحة بسلطانك ودفاعه متدرع بإلهامك و طيرانه يحلق في كونك ، و يكسر السكون شهقة بكاء طفلتي ( نهى ) تضمني وتسأل : ماما ليه مات بابا سلطان ؟ أنا أحبه و كنت أبي أزوره و أضمه ! أنا أيضا أحبه يا نهى ، كل الناس يحبون بابا سلطان يا نهى ! وتغرق المواقف يا والدي الحبيب .. ولوعة الفقد تشعل فجرنا سموما حارقة، والنبأ المفجع تشحب له وجوه الشوارع و تشيب له مفارقها .. والله إنك غالي يا أبو خالد !