قبل قرابة ثلاثين عاماً أعلنت جامعة كارنيجي ميلون الأمريكية أن من شروط القبول للطلاب الجدد فيها أن يمتلك الطالب حاسباً شخصياً محمولاً، وقبلها بسنوات قليلة كان ستيف جوبس قد ترك دراسته الجامعية وتفرغ مع زميل له ليعمل على تطوير أول حاسب شخصي محمول أطلق عليه اسم (أبل).. في خلال بضع سنوات فقط تمكن ستيف جوبز مع غيره من قادة ثورة التقنية من تحويل الحاسب الشخصي من جهاز بسيط تم تطويره في مرآب سيارة الأسرة إلى أداة لا يمكن للطالب أو الأستاذ أن يستغني عنها، وفي خلال جيل واحد فقط أصبح الحاسب الشخصي ضرورة حياتية للكثير من الناس شيباً وشباناً، رجالاً ونساءً، في مشارق الأرض ومغاربها. وفي خلال الثلاثين عاماً الماضية لم يتوقف جوبس عن الإبداع ولم تتوقف ابتكاراته عن تغيير الوجه المعاصر لبلايين البشر، فمن الحاسب أبل إلى الهاتف الشخصي آيفون الذي سوف تنزل نسخته الخامسة إلى الأسواق قريباً، ومن الآيبود الذي أصبح الوسيلة الأولى للاستماع إلى الموسيقى إلى الآيباد الذي بدأ في الحلول محل الحاسب الشخصي، سجل جوبس اسمه في التاريخ الإنساني واحداً من أكثر المبدعين تأثيراً على حياة البشر شأنه في ذلك شأن أديسون مخترع المصباح الكهربائي أو بل مخترع الهاتف مع فارق جوهري هو أن الكهرباء والهاتف قد استغرقا عشرات السنين وفي بعض الحالات مئات السنين لكي يلامسوا حياة الناس أما انجازات جوبس فهي لم تستغرق أكثر من جيل واحد من الإبداع لكي يصل تأثيرها إلى أطراف الكون، ولقد قال أحدهم في تعليق طريف عقب سماعه بنبأ وفاة جوبس في الأسبوع الماضي إن تاريخ الإنسان قد تغير بفعل تفاحات ثلاث، الأولى هي التي تذوقها أبو البشرية آدم، والثانية هي التي سقطت أمام اينشتاين فاكتشف الجاذبية الأرضية، والثالثة هي التي اخترعها جوبس حين أطلق على شركته التي أنتجت حاسبه الشخصي اسم التفاحة (أبل). التتمة ص (18) نقطة أخيرة جديرة بالاهتمام في سيرة هذا الرجل الأسطورة.. لم يكن جوبس يكتفي بالخصال الفنية التي تميز مبتكراته فحسب، بل كان يولي اهتماماً كبيراً إلى أشكالها الجمالية وسهولة استخدامها ومنظرها الخارجي، بل إنه كان يعيد تصميم الجهاز إذا لم يعجبه منظر الآلات الدقيقة الموجودة في باطنه والتي لا يراها المستهلك في العادة إذ إن حسه الجمالي لم يكن ليتقبل القبح حتى وإن كان خفيا.. ويعيد جوبس الفضل في هذه الذائقة الجمالية لديه إلى مادة الخط والزخرفة التي درسها في الجامعة قبل أن يقطع دراسته فيها.. وكان منافسه الكبير بل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت الشهيرة قد قال إنه يعترف لجوبس بالتفوق المطلق عليه في الحس الجمالي وإنه يعتبر غياب ذلك الحس لديه نقيصة لم يتمكن من إصلاحها والتغلب عليها. قبل أشهر ألقى جوبس خطاباً في حفل التخرج لطلاب جامعة ستانفورد، وكان يعرف آنذاك أنه على وشك الموت بداء السرطان الخبيث، قال جوبس في خطابه إنه لم يجد حافزاً على الإنجاز وعلى مزيد من الإبداع أقوى من معرفة أن الموت قد أصبح قاب قوسين منه أو أدنى وان شعوره بأنه في سباق مع الزمن قد شد في أزره وضاعف عزيمته على تحقيق أهدافه في التطوير والتحسين، وقبل بضعة أسابيع قدم جوبس استقالته من منصبه قائلاً إنه يدرك أنه لم يعد قادراً على تسخير كل جهده وفكره ووقته للعمل. رحل ستيف جوبز، فانطفأ نور من أنوار الإنسانية.