كافأ خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- مجهودات المرأة السعودية، وإسهاماتها في المجتمع، ودورها في دعم التنمية بإعلانه يوم الأحد الماضي مشاركتها في مجلس الشورى -كعضوة- ابتداءً من الدورة المقبلة، وكذلك أحقيتها في الترشّح في انتخابات المجالس البلدية المقبلة، مرشّحة، وناخبة، وكل ذلك وفق الضوابط الشرعية.. هذا التوجّه، والذي يحترم في المقام الأول ضوابط الشرع الحنيف، أتى نتيجة لتميّز المرأة في السنوات الأخيرة في جميع المجالات التي أتيحت لها في التعليم، والصحة، والاقتصاد، والشأن الاجتماعي، والسياسي، وقطاعات العمل بشقيها الحكومي والخاص، وهو نتاج عملي لاستثمار الدولة في دعم وتطوير تعليم المرأة في المملكة منذ نشأته عام 1960م، حيث تشير تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأممالمتحدة إلى العلاقة الإيجابية الاطرادية بين تعليم المرأة، والتدريب وزيادة فرصها في العمل وزيادة الدخل، وبالتالي التحقيق التدريجي لمطالبها الحقوقية.. كما أن تميّز المرأة السعودية في السنوات الأخيرة لم يأتِ من فراغ، حيث إن المتتبع لسياسات تعليم الإناث في المملكة منذ إقرار وثيقة سياسة التعليم الصادرة عن اللجنة العليا لسياسة التعليم عام 1970م، يجد في الفقرة (8) بندين مهمّين وهما: 1- التأكيد على الحق الإسلامي في طلب العلم لكل فرد بغض النظر عن جنسه، مؤكدة للحق الخاص للمرأة في التعليم، باعتبار «النساء شقائق الرجال».. 2- التأكيد على الاستفادة من كافة العلوم والمناهج العلمية والتطبيقية وربط التعليم بالخطط التنموية للبلاد، بالإضافة إلى تطبيق سياسات التعليم الإلزامي الصادرة في 2004، والتوسع الأخير في برامج الابتعاث الخارجية الذي وصل نسبة الإناث فيه لأكثر من 23%، وتوافق جميع هذه المعطيات مع خطط التنمية الاقتصادية، وعلى رأسها الخطة التنموية الثامنة (2005-2009) التي ركزت على تنمية الجوانب الإنتاجية، وأبرزت دور المرأة ضمن أهداف الخطة الثامنة، وهو ما عكس تطورًا نحو التوجه بإزالة المعوقات أمام مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية.. ما سبق ذكره، يوضح ارتباط تطور تعليم المرأة في المملكة وإنتاجيتها مع خطط التنمية، وهو الأمر الذي لعب دورًا إستراتيجيًّا في تأكيد سعي الدولة نحو دعمها للوصول إلى المكانة التي تتمناها المرأة السعودية العاملة وأدوارها المتكافئة في المجتمع. وهو ما يُعد سندًا قاطعًا لما أكده مؤخرًا يوم الاثنين الماضي سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز -حفظه الله- بأن «قرارات خادم الحرمين الشريفين التي تسمح للمرأة السعودية بالدخول في الحياة السياسية، لم تأتِ بسبب ضغوط خارجية، وإنما هي قرارات ذاتية، تهدف إلى خدمة الوطن والمواطن بشكل واضح، وتفعيل مشاركة المرأة في التنمية، مشيرًا إلى أن الملك عبدالله يؤمن بدور المرأة المهم في التنمية، وبالتالي إشراكها بشكل فاعل فيها». وعلى الرغم من أن الواقع الوظيفي للمرأة السعودية في العقدين الماضية شهد تركيزًا على عملها في قطاعي التعليم والصحة، إلاّ أن الخطة التنموية الثامنة والتاسعة مدعومة بتوجهات القيادة الحكيمة، كانت المنطلق الإستراتيجي نحو تحقيق تطلعات غير مسبوقة للمرأة السعودية وإعطائها حقوقًا مكّنتها مَن تبوأ مناصب قيادية دفعتها للمشاركة في صناعة القرارات، والقيام بأدوار مميّزة ومشرفة في خدمة الوطن.. حيث حققت هذه الإستراتيجية مكاسب رائعة للمرأة السعودية، والأمثلة على ذلك عديدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تعيين الدكتورة ثريا أحمد عبيد مطلع عام 2001م في منصب المدير التنفيذي لصندوق الأممالمتحدة للسكان، والأمين العام المساعد للأمم المتحدة وهي أول عربية سعودية ترأس وكالة تابعة للأمم المتحدة، ومحليًّا، تعيين الأستاذة نورة بنت عبدالله الفايز في منصب نائبة لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات عام 2009م، وفي نفس العام، تم تعيين الدكتورة أروى بنت يوسف الأعمى كمساعد لمعالي أمين جدة لشؤون تقنية المعلومات بالأمانة، وهو أكبر منصب في أمانة محافظة جدة ووزارة الشؤون البلدية والقروية يُسند إلى سيدة. وفي الشأن الانتخابي، حصدت الدكتورة لمى السليمان في انتخابات الغرفة التجارية بجدة المركز الثاني عن فئة الصناع، ومن ثم تعيينها في منصب نائب رئيس مجلس الغرف التجارية بجدة. وعلى صعيد الإنجازات العلمية، وفي واحدة من عشرات الأمثلة على تميز المرأة السعودية علميًّا، فازت الدكتورة خولة الكريع في 2007م بجائزة هارفارد للتميّز العلمي من بين أكثر من 300 طبيب، وقد قلّدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في مطلع العام الماضي، حقًّا، الأمثلة المشرفة لإنجازات المرأة السعودية في التاريخ المعاصر كثيرة جدًّا، وجديرة بسردها جميعًا، ولكن حيّز المقال لا يتسع لذلك. ولذلك فإن قرارات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بمشاركة المرأة في مجلس الشورى -كعضوة- وأيضًا الترشّح في انتخابات المجالس البلدية مرشحة وناخبة، أتت مكملة لمسيرة طويلة من التخطيط والعمل الحقيقي الفعلي على تمهيد الطريق للمرأة حتى تحصل على حقوقها ومطالبها وفق آليات تُحْكَم بما تقتضيه الشريعة الإسلامية ومنظورها في المساواة بين المرأة والرجل، كما جاء في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) «سورة النحل، الآية 97»، والحديث النبوي الشريف: (إنما النساء شقائق الرجال). [email protected]