نعرف جميعًا بأن ظروف الحياة ومتطلبات الآيام قد قست كثيرًا على هذا الرجل ذى القامة والقيمة الكبيرة منذ بدايتها إلى نهايتها. حيث بدأ حياته بوظيفة عادية وكافح وتحمل مسؤولية أسرته في زمن صعب للغاية وعاش من خلالها دفء العلاقات الأسرية والتي يفتقد إليها الكثير في حياتنا الاجتماعية الراهنة. وبما أن العطاء بلا تردد هو سر بقاء الإنسان، فقد استطاع (زرياب العصر الحديث) طلال مداح يرحمه الله أن يصنع نجوميته الطموحة عبر سنوات طويلة من الاجتهاد والمعاناة والتعب، بعيدًا عن الصراعات غير الشريفة، ليظل محافظًا على مكانته كنجم متميز بسماء الأغنيه العربية، حتى أضحى نجمًا عالميًا متخطيًا حدود الإقليمية، ورمزًا ثقافيًا من رموز الموسيقى تعرفه الأرض كلها، وذلك عبر تجارب فنية إنسانية شكّلت عزفا شذيا على إيقاع العاطفة الجياشة، حيث لازال يعيش في أعماق الذاكرة، وما زال يمنحنا متعة الذكرى، ومن خلال إحساسه لنا بالحنين إلى الأغنية وعالمها الساحر، حتى كان أهم الرواد الصانعين للأغنية وله كم هائل من الجمهور الذواق بصفته أحد المساهمين بتصحيح المزاج الإنساني المتحضر نظرًا لمقدرته على إطلاق شلالات الفرح في دواخلنا. وأعماله الوصفية والوطنية بالذات التي تعلمنا منها كيف يكون حب الأوطان وشحذ للهمم لترسيخ مكانة الأرض في النفوس وإيقاظ الحس الانتمائي داخل الصدور، لاسيما أن الأغاني الوطنية ذات قيمة من المفترض ألا تعبث بها كل الأصوات، كنوع للتميّز الذي توفر لهذا المبدع الخلاق. ومما لاشك فيه وما يعرفه الغالبية عنه من تمتّعه بصفات وخصال كان هطولها جميلًا للغاية قد لا تتوفر في أقرانه في هذا الوسط لما يحمله من قيم نبيلة تسكن دائمًا في الضمير والوجدان نظرًا لإنسانيته ورقة تواضعه ومداواته للآخرين بقلبه العطوف الخير. إن شفافيته المتناهية جعلت له من الحضور الكبير في قلوب من يعرفه ومن لا يعرفه، وحتى لا نهرب من الحقيقة ونبتعد عن الواقع كانت هناك تساؤلات متعبة تلقي بنفسها من على ضفاف التعب علّها تجد بلسمًا شافيًا لها، ومنها: * لماذا في الوطن العربي فقط لا تُقدم الرعاية المستحقة للنجوم المتميزين؟. * لماذا يتجاهل إعلامنا المحلي أعمال المبدعين بطريقة مكشوفة؟. * لماذا المبدع العربي يعيش ظروفا قاهرة بدءًا بلقمة العيش وانتهاء بالقلق؟. * لماذا أصبحت لحظة الوفاء نادرة ومعها تصبح الحاجة مستحيلة لمداواة الجرح؟. وأخيرًا العزاء كل العزاء لمحبي هذا الحس الإنساني الرفيع الذي وافته المنية على مسرح المفتاحة الوطني قبل أحد عشر عامًا خلت. * المدينة المنورة