** قبل ثمانين عامًا ونيف أراد الله لهذه البلاد أن تتوحد بإرادة الله، ثم بإرادة صلبة وقوية، تجمعت وشائجها في شخصية الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- ولابد لنا بعد هذا التاريخ الطويل والممتد والهام من الوحدة أن نستخلص العبر والدروس؛ لتهيأ الأجيال الحاضرة لمستقبل أكثر إشراقًا ووضاءة، وأول هذه الدروس هو سعي الملك المؤسس للقضاء على النعرات والعصبيات، وتساوي بذلك أبناء الوطن -جميعهم- في الحقوق والواجبات. ** كما أنه استشرف المستقبل في إنشاء دولة عصرية تجمع بين متطلبات شرع الله، والأخذ بأسباب الحضارة؛ ولهذا رفض بوادر حركة التشدّد التي كانت تسعى لنشر مفاهيم الانغلاق والأحادية، بل إنها كانت -من وجهة نظرها- ترى خطرًا في الأخذ بأسباب العلم والمعرفة. ولو أصغينا منذ بناء الدولة لأصوات التشدد؛ لما استطعنا أن نبني دولة عصرية وحضارية في مجالات العلم والفكر والثقافة، ولما استطاع شباب هذه البلاد أن يدرسوا في أرقى الجامعات والمؤسسات الغربية، ثم يعودوا وقد تسلّحوا بسلاح العلم دون أن تذوب شخصياتهم في الآخر، أو تتماهى معه. ** مع مرور هذه الذكرى الهامّة والمتجددة يُفترض أن نتنبّه إلى أن البعض ما زال يرفض مبدأ الولاء للوطن، متوهمًا أنه يتعارض مع العقيدة، ولعلنا نُذكِّر هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكةالمكرمة -شرفها الله- مهاجرًا إلى المدينةالمنورة قال: (والله إني لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت)، كما أنه صلى الله عليه وسلم دعا لأصحابه الذين أخذهم الحنين إلى مكةالمكرمة بعد الهجرة، وفي مقدمتهم سيدنا بلال -رضي الله عنه- فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا إلى مكة أو أكثر حبًّا»، أليس في هذه الآثار النبوية دليل على أن حب الوطن، والولاء له هو أمر فطري، ولا تعارض بينه وبين مقتضيات الشرع الحنيف؟ أمّا إن كان هذا البعض يتّخذ مرجعيات خارجية مُتشدّدة، يستهدي بها في سلوكياته، فهذا مكمن الخطر، وبما يتعارض مع حب وطن يضم أطهر البقاع وأسماها منزلة عند الله.