شكرًا من الأعماق لخادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- على تكريم المرأة السعودية في يوم الوطن، فخصّها في كلمته في افتتاح السنة الثالثة للدورة الخامسة لمجلس الشورى، فلأول مرة في تاريخ مجلس برلماني أن تكون الكلمة الافتتاحية لملك أو رئيس عن المرأة، من أوّلها لآخرها، فهذا تكريم ما بعده تكريم. شكرًا له لأنّه أنصف المرأة السعودية التي علّقت آمالًا كبيرة عليه بعد الله لإنصافها، وإعطائها حقوقها التي منحها إيّاها الخالق، وسلبها منها مجتمعها قرون عديدة بحكم أهواء وأعراف وتقاليد لا تتفق مع الدين الإسلامي، ولا تمت له بصلة، ولي النصوص القرآنية ليًا لإبعادها عن مقاصدها، لحرمانها من تلك الحقوق باسم الدين وضوابطه وقيمه. إنّ هذا المليك الإنسان المؤمن الحق الذي وهبه الله بصيرة نيرة، وفهم حقيقي للإسلام مجردًا من الأهواء والأعراف والتقاليد المتعارضة معه دفعه -أيده الله- لاتخاذ هذه القرارات الجريئة والمفصلية التي تعد الأساس في منظومة الإصلاح التي تبنّاها، وأنا من خلال فهمي لشخصية هذا القائد العظيم الذي قلّ ما يجود الزمان بمثله كنتُ متوقعة أن يتخذ مثل هذه القرارات، ولكن لا أعلم متى؟! وأحمد الله أنّني عشتُ لحظة إعلانها، وقبل ثلاثة أيام قلتُ هذا في قناة الحوار في برنامج الرأي الحر الذي كان يناقش حرمان المرأة السعودية من المشاركة في المجالس البلدية، قلت أنا لدي أمل بأنّ خادم الحرميْن الشريفين سيتخذ قرارات لصالح المرأة تُحدث تغييرات جذرية في المجتمع، وأنا لا علم مسبقًا لدي بهذه القرارات. إنّ وقفة تأملية عند كل كلمة حوتها هذه الكلمة التاريخية المكتوبة بأحرف من نور، لها دلالاتها وأبعادها يمكن تلخيصها في التالي: 1. التأكيد على حقوق المرأة السياسية التي منحها إياها الإسلام في آيات قرآنية قطعية الدلالة، وهي حق الشورى والبيعة والولاية بقراره منح المرأة عضوية مجلس الشورى منذ الدورة القادمة، وحق المشاركة في المجالس البلدية ترشيحًا وتصويتًا. 2. التأكيد على حق المشاركة في الحياة العامة بإعلانه عن رفضه التام لتهميش دورها في المجتمع في كل مجال للعمل، مؤكدًا على حقيقة يعلمها الجميع «بأنّ للمرأة المسلمة في تاريخنا مواقف لا يمكن تهميشها منها في صواب الرأي والمشورة منذ عهد النبوة تيمنًا بمشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مرورًا بالصحابة والتابعين حتى يومنا هذا»، وهو يؤكد بقوله هذا على كمال أهلية المرأة، ممّا يدعونا إلى وجوب إعادة النظر في الأنظمة والقوانين التي تحد من أهليتها، وأعتقد هذه المهمة ستكون من أهم مهام عضوات المجلس القادمات. 3. إزالة كل ما أثير وما يُثار من شبهات حول حرمان الإسلام للمرأة من الحقوق السياسية وحق المشاركة في الحياة العامة، ولسد ذرائع المعارضين لحقوق المرأة السياسية، وحقها في المشاركة في الحياة العامة قال: «ولأنّنا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال للعمل وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع عدد كبير من علمائنا في هيئة كبار العلماء وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه». 4. بيانه أنّ التوازن المجتمعي لا يتحقق إلاّ بمشاركة المرأة في كل مجالات العمل، وفق الضوابط الشرعية، وهذا يدعونا إلى التوقف طويلًا عند قوله: «إن التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب مهم، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين»، فنحن طوال السنوات الماضية نرى الأشياء بعين واحدة هي عين الرجل، وهذا يفسر لنا اختلال توازن المجتمع، لمخالفته سنن الكون، فنظام الكون قائم على الزوجية (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). 5. إدراكه التام أنّ هذه القرارات ستجد معارضة من قبل البعض مثلما واجه قرار الفيصل -رحمه الله- بمنح المرأة حقها في التعليم، لذا قال ملك الإنسانية: «إن كفاح والد الجميع الملك عبدالعزيز مع أجدادكم -يرحمهم الله- أثمر وحدة القلوب، والأرض، والمصير الواحد، واليوم يفرض علينا هذا القدر أن نصون هذا الميراث، وأن لا نقف عنده بل نزيد عليه تطويرًا يتفق مع قيمنا الإسلامية والأخلاقية. نعم.. هي الأمانة والمسؤولية تجاه ديننا، ومصلحة وطننا، وإنسانه، وأن لا نتوقف عند عقبات العصر، بل نشد من عزائمنا، صبرًا، وعملًا، وقبل ذلك توكلًا على الله -جل جلاله- لمواجهتها.» فلقد توكل على الله لمواجهتها لأنّها بعزيمة وصبر، ولأنّها تمثل الأمانة والمسؤولية تجاه ديننا ومصلحة وطننا بإعطاء المرأة حقوق منحها إيّاها الخالق، وحرمها منها عادات وتقاليد المجتمع، ولأنّ مصلحة الوطن لا تتم ولا تكتمل إلاّ بمناهضة عقبات العصر بإعادة هذه الحقوق ليتحقق له التوازن لينسجم مع المنظومة الكونية الرافضة للأحادية، والقائمة على الزوجية. 6. تأكيده على أنّ هذه القرارات جزء من حق الشعب عليه، لأّن فيها تحقيقًا لمصلحته وعزته وكرامته. 7. ثقته في كفاءة وقدرة المرأة السعودية وتأهلها لعضوية مجلس الشورى والمجالس البلدية، والمشاركة في الحياة العامة. وانطلاقًا من هذه الثقة آمل من خادم الحرميْن الشريفيْن -الذي لم يخذلني أبدًا- أن يكون الأعضاء المعينون في المجالس البلدية في هذه الدورة كلهنّ نساء ليتحقق التوازن فيها، وأن يتضاعف عدد أعضاء مجلس الشورى في الدورة القادمة ليكون ثلاثمائة عضو نصفه نساء يمثلن جميع المناطق ومختلف التخصصات ليكنّ في جميع لجان المجلس، فلدينا كفاءات نسائية مؤهلة تمام التأهيل في كل عمل تُكلّف به.