بئس القوم مَن يتتبّع زلاّت العلماء، وينشر عثراتهم، إنهم يتناسون أنهم بشر يخطئون ويصيبون، لعلّ ما يقع من أخطاء في حق العلماء مردّه إلى افتقاد الكثير إلى أدب الحوار والنقد، ولعلّ ما يثير الجدل في بعض الأحيان أن نرى من العلماء أنفسهم مَن يتجاوز أدب الحوار، ويغفل عنه، وفي مثل هذه الحالات لا ينبغي لأحد أن يتتبّع عثرات هؤلاء، أو ينشرها. ومَن منّا معصوم من الخطأ؟!. العلماء هم ورثة الأنبياء، وفي الحديث (مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له مَن في السموات ومَن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالِم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم فمَن أخذ به أخذ بحظ وافر). إن علماء الطب والفضاء والهندسة والفيزياء والفلك وغيرهم، هم علماء كسائر بقية العلماء، لهم ما لغيرهم من حقوق وواجبات وآداب. يقول أحدهم ليس كل مَن حفظ وحوى العلم وصفناه بالعالم، وأن للعلم زكاة هي من أوجب الزكوات، وهي النطق بالحق، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في سبيل نشره. هناك ما يُسمّى في علم النفس الأثر الذي يتركه موقف الانطباع الأولي، وعلى سبيل المثال كان أحدهم يسكن بجوار أحد القضاة، وكان للقاضي زوجتان، وقد عُرف عنه الغلظة والشدّة في التعامل معهما، بيد أنه كان لطيفًا مع جيرانه، لكنّ زوجتيه كثيرتا الشكوى من سوء معاملته، ومع الزمن، وجدت واحدة من أقرباء الجيران نفسها في قضية إرث لدى هذا القاضي، ولكنّ الانطباع الأولي عن هذا القاضي قد هيمن على كل ما في عقلها؛ ممّا جعلها تجزم بأن القاضي أراد النَّيل منها؛ لا لشيء سوى لأنها امرأة تجرّأت في نظره بتقديم شكوى ضد أخيها الذي حرمها من إرث مستحق لها منذ عدة سنوات، وعندما استأنفت القضية لدى محكمة التمييز صادقوا على حكم القاضي، إلاّ أن هذا الأمر لم يغيّر من قناعاتها أنها ضحية النظرة الدونية للمرأة من قِبل بعض القضاة في نظرها، وهي قضية ربما كانت نفسية بحتة، الأمر الآخر أن أحد الوعاظ نزل مع أبنائه للتسوّق؛ ولأن الواعظ معروف في الأوساط العامة، فقد كانت كل خطواته وتصرفاته مراقبة من قِبل الآخرين، وقد لاحظوا أن هذا الواعظ وقف في قسم الأجبان يتذوّق كل نوع، ولم يشترِ منها شيئًا، فسجل عليه مراقبوه أنه يستبيح لنفسه ما لا يستبيح به لغيره! وأن الرجل ممّن يقولون ما لا يفعلون... إلخ، ترى لو كان هذا السلوك قد صدر من غيره، فهل سيجد تلك المراقبة المتشددة عليه، وهذا ليس إقرارًا بحسن تصرفه، ولكن لابد من غض البصر، وعدم تصيّد عيوب وأخطاء الغير، فإن كان في هذا الواعظ عيب، فقد يكون بنا عيوب أخرى، ولا ينبغي النَّيل منه، أو ذكر معايبه.. (وللحديث صلة).