عند الحديث عن سوق عكاظ فإننا نستحضر فعلاً ثقافيًّا اجتماعيًّا إنسانيًّا يضرب بأطنابه في أكثر من ألف وخمسمائة سنة من عمر البشرية، ولكن عند الحديث عن سوق عكاظ في نسخته الحديثة فإننا نُعاصر الدورة الخامسة لفعاليات سوق عكاظ في هذا العام. أمّا عن الفنون التشكيلية فقد تأخرت عامًا في الحضور إلى فعاليات سوق عكاظ بعد أن سجلت غيابًا في دورته الأولى، فبعد أن مضت السنة الأولى من عمر سوق عكاظ طالب عدد من التشكيليين بالوجود التشكيلي في هذا العرس الثقافي، وكان لهم ذلك في الدورة الثانية في عام 1429ه من خلال جائزة «لوحة وقصيدة»، تلك المسابقة التي نشأت وقامت على المواءمة بين اللفظي والبصري من خلال منجز تشكيلي يستلهم ويقرأ ويحاكي ويوازي درر القصائد العربية من الأدب العربي على امتداد تاريخه وحاضره المعاصر على حسب رؤية واختيار الفنان التشكيلي، وبرز معرض أعمال مسابقة لوحة وقصيدة من أول ظهور له في الدورة الثانية لسوق عكاظ رغم قصر المدة في التجهيز للمعرض، وقلة الأعمال المشاركة بالمسابقة، ولكن التعاون بين أمانة سوق عكاظ وجمعية الثقافة والفنون بالطائف وأتيليه جدة قدم معرضًا متميزًا ضمن تجاوز عثرات البداية. واستمرت الجائزة ومعرض الأعمال المشاركة لعامه الرابع بشكل جيد، ولكن لكل عمل لابد من تنامي ونمو يضمن له استمراره وتطوره، ولعلي أطرح هنا بعض الرؤى التطويرية التي من شأنها الإسهام في إضافة شيء من التطوير للفنون التشكيلية بسوق عكاظ وفتح أفق أوسع للتشكيل في هذا العرس الثقافي العربي. ولعل التطوير يبدأ من الموجودات التشكيلية في سوق عكاظ، وهي مسابقة لوحة وقصيدة، وتطويرها يبدأ بتطوير جائزة المسابقة التي اقتصرت على جائزة واحدة بالرغم من أن مكانتها الأدبية والفنية وحتى المادية عالية ومحفزة إلا أن كونها جائزة واحدة مثلت بعضًا من الإحباط لعدد من الفنانين المشاركين، فاستحداث جوائز مساندة لجائزة لوحة وقصيدة مع الإبقاء عليها تحت مسمّى تشكيلي عكاظ بنفس قيمتها المادية والمعنوية، وتكون هناك عدد من الجوائز المساندة مثل جوائز لجنة التحكيم (ثلاث جوائز بقيمة رمزية)، وجوائز اقتناء لا تقل عن اقتناء خمسة أعمال، وبهذا تتعدد الفرص لكثير من الفنانين ويكون عامل جذب للمشاركة واتساع دائرتها. وتحقيقًا للدور الثقافي لسوق عكاظ وتفعيلاً للحضور التشكيلي ولكي يعكس مستوى الفنون التشكيلية العربية والمحلية بشكلها المتميز؛ فمن الجميل أن نرى العديد من المعارض التشكيلية كمعرض شخصي سنوي يختار له في كل عام عرض لأعمال أحد رواد الحركة التشكيلية السعودية، ويكون الاختيار وفق أسس ومنهجية مقننة تضمن العرض والتمثيل المشرف لرواد التشكيل السعودي، كما أن إقامة معرض لمختارات من التشكيل السعودي المعاصر وربما يتطور لمختارات من التشكيل العربي المعاصر يعطي التنوع التشكيلي لمختلف الفئات ويجعل من سوق عكاظ قُبة التشكيل العربي كما هو قُبة للشعر، وأيضًا فإن إقامة عدد من صالات العرض لتستضيف وتقدم عدد من دور العرض العالمية لفتح مزادات للفنون التشكيلية كما هو الحال في (آرت دبي) في قادم دورات سوق عكاظ يجعل منه بيناليًا ثقافيًا وسوقًا عربيًا وعالميًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة في مكان واحد.