تستمد الحكومات شرعيتها من القبول العام بها، ومن التزامها بالحفاظ على النظام العام بعناصره الثلاثة: (الأمن، والسكينة، والصحة العامة)، ويعتبر أيّ خروج من قِبل الحكومات عن هذا الالتزام الأساسي مصدرًا من مصادر تآكل شرعيتها، وشاهدًا على غياب القبول العام بها، هكذا علّمتنا دروس التاريخ، وهكذا ينطق الواقع في أكثر من بلد عربي، جرى فيه تجريد سلاح الجيوش لمحاربة الشعوب التي دفعت ثمن هذا السلاح، كما حدث في ليبيا، وكما يحدث الآن في سوريا. ولهذا لم يكن من المستغرب، ولا من المفاجىء أن يوجه وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعهم أمس الأول دعوتهم إلى وقف إراقة الدماء، وتجنيب المواطنين السوريين المزيد من أعمال العنف والقتل، وهو ما أكد عليه الأمين العام للجامعة العربية، ووزير الخارجية القطري الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للمجلس الوزاري للجامعة، وقوله بحزم: «لا يمكن أن نقبل كبشر أن يقتل الناس بهذه الطريقة»، في إشارة واضحة لمشاهد العنف، وسفك الدماء في الشارع السوري، التي ازدادت بشكل خطير في الآونة الأخيرة. إن أولويات حاكم أيّ دولة هي -بلا شك- الدفاع عن الأرض، وعن المواطن، وتحقيق الأمن للوطن والمواطن، وليس العكس، وتهيئة الحياة الحرة والعيش الكريم لهذا المواطن، الذي يعتبر الثروة الحقيقية للبلاد. محنة الشعب في سوريا الشقيقة تستحق وقفة عربية لوضع نهاية لمعاناة الشعب السوري الشقيق، ولتجنيب سوريا ويلات صراع قد يأتي على الأخضر واليابس، الأمر الذي يقتضي من قادة سوريا الإنصات بعمق لنداءات عربية مازالت ترى أن ثمة فرصة قائمة لانهاء المأزق الراهن، الذي يعكس خللاً في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لا يتناقض فقط مع الصورة المشرقة التي أوضحها ديننا الإسلامي الحنيف حول تلك العلاقة التي يتوقف عليها توازن المجتمع واستقراره وأمنه ونماؤه، وإنما أيضًا مع مفهوم هذه العلاقة في الخطاب السياسي في عالمنا المعاصر، ومع القيم الإنسانية والحضارية والتراثية، ومبادىء حقوق الإنسان، وحيث تنص تلك المبادىء والقيم التي سبقتها مبادىء وقيم ديننا الحنيف، على الانحياز الكامل إلى الشعوب، ودعم تطلعاتها وأمانيها وآمالها. فقد كرّم الله -عز وجل- الإنسان بالعقل والحكمة والرشاد، وحرّم سفك دمه، إلى حد جعله حرمة دم المسلم أجلّ من حرمة الكعبة المشرفة.