كثير منا يتعرض لمواقف يجد نفسه غير قادر على إقناع من يناقشه. ولكن يجب أن يسأل الشخص نفسه إن كان هو نفسه مقتنعًا بالفكرة التي يحاول إقناع الآخرين بها أم لا، كما يجب أن تكون هذه الفكرة هي موضع خلاف أو من سياق وجهات النظر وليست حقيقة ثابتة، أو قاعدة عرفية معلومة للجميع. لا بد أن تكون مقتنعًا جدًا بالفكرة التي تسعى لنشرها، لأن أي مستوى من التذبذب سيكون كفيلًا أن يحول بينك وبين إيصال الفكرة للغير. وبعد ذلك يجب على الإنسان أن يتبع مع من يحاوره اللين في الحوار «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ». وضرورة مراعاة المستوى التعليمي والثقافي للمدعو، ولنا في حديث «أبي عمير والنغير» دليل آخر، فلم يحدثه النبي صلى الله عليه وسلم في أول حديثه إليه بقواعد الدين، ومقاصده ومستلزماته، بل بدأ معه بالخطاب الذي يناسب مستواه، ليتقرب منه وليوجد وسائل التواصل والاتصال بينهما. ومن وسائل فن الإقناع أيضًا الإيجاز في الحديث، بحيث تكون أفضل الجمل أقصرها وأكثرها فائدة حيث يتيح لك الإيجاز إبراز الفكرة بوضوح دون تقلب بين الجمل، وعليك أيضًا تعزيز فكرتك بالأمثلة الدامغة المعروفة مع تقسيم الحوار إلى نقاط، والتركيز في كل نقطة على حدة، وعدم الانتقال إلى نقطة أخرى قبل استيفاء سابقتها. ولكي تصل إلى النتيجة المرجوة وهي إقناع من تحاوره، يجب أن تتوافر لديك المصداقية في كل أعمالك، فإذا كنت تتمتع بهذه المصداقية فإنك سوف تصل إلى إقناع الآخرين بسهولة ولن تواجه عنادًا شديدًا منهم، كما يجب عليك التمتع بالمنطق وعدم الانجرار إلى أمور غير منطقية تثير الجدل والخلاف، كما يجب عليك الحصول على عاطفة الآخرين، فإذا كان الآخرون يتعاطفون معك فأنت بذلك على الطريق الصحيح للوصول إلى إقناع الآخرين. في بداية الحوار عليك ألا تبدأ الحديث وتكون المستمع أولًا، حيث يعطي ذلك قوة دفع بعد أن تكون قد استوعبت ما يريده خصمك، ويجب عليك ألا تصر على الانتصار بنسبة مائة بالمائة حتى تضمن من الخصم التحول والوقوف بجانبك طالما يشعر أن كل ما تريده هو توضيح الفكرة فقط وليس النيل منه شخصيًا، وعندما تشعر بأنك قد اقتربت من تحقيق انتصار في الحوار عليك الحفاظ على ماء وجه خصمك دون الاستمرار حتى لا يتحول الحوار إلى استفزاز ويصر خصمك على عدم الاقتناع ويتخذ موقفًا متشددًا، فالحفاظ على ماء وجه الخصم يجعله لا يقاوم في نهاية الحوار. ومع ذكر فن الإقناع، يجب علينا أن نلقي الضوء على مدى تأثيره في الأنشطة التجارية والصحفية والسياسية. لا شك أن فن الإقناع يؤثر تأثيرًا بليغًا على مستوى توزيع جريدة، حيث إن هذه الجريدة إذا لم تستطع أن تقنع جمهور الصحافة بها، فإنه محكوم عليها بالفشل. والسياسي المحنك إذا لم يستطع إقناع جمهوره قبل خصومه فلن يستطيع أن يصل إلى المكانة المرجوة والموقع الذي يطمح فيه، بل أيضًا لن يستطيع أن يحافظ عليه. وفي الشركات التجارية إذا لم يستطع أن يقنع المدير مرؤوسيه، فإنهم لن يستجيبوا إلى تعليماته وسوف يتجاهلونها، وكذلك لن يشعر رؤساءه بأنه جيد في موقعه، مما سيُؤثِّر في حياته العملية بأسرها، كما أن المدير الذي لا يتمتع بفن الإقناع لن يستطيع الفوز في المفاوضات التجارية أو الحصول على صفقات أمام المنافسين مما سيُؤثِّر في موقف الشركة التجاري. وفي النهاية قد يسأل سائل: هل فن الإقناع مهارة مكتسبة أم موهبة؟ ونقول إن فن الإقناع مهارة مكتسبة لها عوامل يجب اتباعها، فإذا توافرت هذه العوامل (والتي تحدثنا عنها سابقًا) يصل الإنسان إلى إجادة فن الإقناع في مجاله، ويقوده ذلك إلى الترقي بسرعة واختصار الزمن لتبوأ أعلى المراتب.