كانت ملامح الطيبة الصادقة تعلو وجهها.. لن أنسى بريق عينيها وصفاء قلبها وسعة روحها.. (نعم إنها أمي).. أذكر تلك الليلة المؤلمة التي فارقت فيها أمي الحبيبة الحياة.. أذكر حينما اكتست بأجمل ملابسها وحليها وكان وجهها يضوي بريقًا وكأن بريق وجهها يحتضر استعدادًا لرحيله عن الدنيا. غياب أمي يشبه ليلة بدون قمر يضويها.. يشبه طريقًا مظلمًا يكسوه السواد.. زينت أجمل يدين بالحناء.. وأصبحت مثل الزهرة الجميلة الفواحة التي شارفت على الذبول.. استيقظت من فراشها واستعدت للسفر وكانت في قمة سعادتها. أذكرها تلك اللحظة.. لقد بدت مثل بريق الألماس صافية الوجه والقلب.. كان قلبي متعلقًا بقلبها رغم صغر سني حينها، إلا أن ملامح صفاتها كشفت لي إلى أي مدى حياتي ستصبح أجمل بوجودها.. كنت طفلة بريئة لا أعرف ما معنى كلمة الموت ولا أعرف ما تصبو إليه تلك الكلمة. كنت أعتقد أن الأمهات لا يموتون.. لأن الحياة في استمرار والأم هي التي تنجب الأطفال.. وقبل موتها بلحظات كنت في غاية شوقي لها أن أراها لأرتمي في أحضان قلبها الحنون.. ولكن انتظاري باء بالفشل، فقد وقع الحادث بتمام الساعة الخامسة من عصر يوم الأربعاء 28/4/1414ه.. اختارها ربي إلى جواره ليقبض روحها ويأخذ أمانته.. لم تتحمل آلامها ونزيفها الداخلي ففارقت الحياة.. صعدت روح الصفاء وقلب النقاء ونفس الرخاء ليتولاها رب العباد برحمته ولطفه وغفرانه.. صعدت روحها بين يدي الرحمن الذي هو أرحم بها من خلقه. أتذكر تلك الليلة بكل تفاصيلها الدقيقة، حيث وضعت جنازتها أمام عيني.. رأيت النور بين عينيها والابتسامة تعلو وجهها، وكأنها تودعنا بالابتسامة التي عهدنا بأن نراها على وجهها كل صباح.. لن أنسى ما حييت ذلك الوجه الصبوح.. ولن أصدق ما حييت أنني عشت تلك الليلة وما حدث لأمي فيها ولكنه مقدر ومكتوب.. وباتت عيني ساهرة وأنا واقعة في صدمة الطفولة، هل انتهى معنى الحنان بالوجود..؟! هل فارقت أمي الحياة ولن أكمل معها بقية سنيني..؟! هل سأعيش بدون أم مدى الحياة..؟! كنت أحلم ولا زلت أحلم أنها يومًا ما ستطرق بابي وتأخذني إلى أحضانها.. ولا أملك الآن إلا دعائي لها بالرحمة والغفران.. وما لي بعدها إلا الصبر، لعلي أعوض فقداني لها بإعطاء ابني وابنتي حنانها وعطفها، وأن أمتلك صفاتها لأمشي على خطاها.. رحمك الله يا أطيب قلب. همسة عابرة: (من يرغب بالجنة يبر والديه.. ولا يشعر بفقدان الحنان إلا من فقد أمه لأنها باختصار هي كنز الحنان). ريم سعيد الجيلاني - جدة