وقف الشاب الدرزي سلمان، الذي رفض التجنيد كي يتخرج ويكون جنديا إسرائيليا يقتل أخاه العربي، أمام رئيس المحكمة الذي قرأ اسمَه وعنوانه، وأشار «درزي». وعندها قال سلمان بصوت عالٍ: «أنا عربيّ». وخيّم الصّمت على القاعة. ونظر القاضي إلى سلمان بدهشة وقال: «حسب ما أعرفه فإنّ المتّهم درزي»... وابتسم سلمان منتصبًا بقامته وأجاب: «لا، يا سيّدي، أنا ابن الطائفة الدرزية، ولكنّي عربيّ القوميّة». ورطنَ القاضي بشيء ما، من أنّ الدروز ليسوا عربًا. وأصرّ سلمان على رأيه وأعاد جملته القصيرة والمُغضبة: «أنا عربيّ». لم يكن سلمان يفهم أصول اللّعب المعروفة منذ سنوات للجميع: أنّ السلطة بحاجة لدمهم. ولقاء دمائهم تمنحهم فتات الامتيازات .. بالتخلي عن عروبتهم. لكن سلمان رفض الامتياز الذي يجعل منه جنديا في الجيش الإسرائيلي وفضل أن يكون في الطرف الآخر من المعادلة .. مناضلاً عربياً ضد الاحتلال. هذا المتّهم المسكين، يرفض فتات الامتيازات. ويرفض الحرية ويختار طائعاً الزنزانة المليئة بالجرذان وذات الرائحة الكريهة حيث لا نهاية لدقائق الساعات. لقد أصر سلمان على التمسك بعروبته رغم أنه يعرف مسبقا مصيره في سجون الاحتلال التي ربما لن يخرج منها إلا كهلاً محطما . لكنه تحدى كل الظروف المحيطة به وقرر الوقوف أمام قاضي المحكمة بشموخ. وتصف المحامية الإسرائيلية فيليتسيا لانغر الموقف قائلة: «كنت ملتصقة كليّة بوجه سلمان وملتصقة بعينيه السوداوين الواسعتين المفتوحتين. وُخيّل إليّ أنّه انتظر هذه اللّحظة، وفي زنزانته في السّجن لاطف ودلّل هاتين الكلمتين ليقذف بهما في جوّ القاعة كتحدٍّ للقاضي .. وتذكرت حينها كلمات أحد أبطال مكسيم غوركي: «كلمة الإنسان هي ترنيمة الاعتزاز».