رغم أنني كنت متشائما بخصوص المسلسل التلفزيوني الحسن والحسين ومعاوية ، إلا أنني لم أكن أتوقع أن يظهر المسلسل بهذا المستوى الهزيل جدا من الناحيتين الفنية والعلمية . المسلسل أساء إلى الصحابة رضوان الله عليهم من حيث أراد الإحسان . ذلك أن الكاتب أصر على أن يعطي عبد الله بن سبأ ( الذي لم تقطع النصوص المتواترة بحقيقة وجوده ) أكبرمن حجمه ، وصوره وكأنه المحرك الأوحد للأحداث إبان مرحلة الفتنة الكبرى . وفي هذا الطرح إساءة بالغة لكبار الصحابة الذين صورهم المسلسل وكأنهم بلا حول ولا قوة رغم اتفاقهم على موقف موحد إزاء الفتنة ، حسب زعم كاتب النص . الأسوأ من ذلك هو أن المسلسل لم يتجاهل المصادر التاريخية الموثوقة والأكثر دقة وحسب ، ولكنه تجاهل ما ورد عن الفتنة الكبرى في أمهات كتب الحديث النبوي الشريف . وهذه خيانة علمية وتاريخية ، ونوع من انواع الدجل والتدليس الديني . لقد حاول كاتب المسلسل أن يقنعنا بأن كبار الصحابة كانوا متحدين أثناء الفتنة ، ولو كان الوضع كذلك لما اندلعت الفتنة من الأساس ، ولما تمكن ابن سبأ – في حال وجوده – من فعل أي شيء لشق صف المسلمين رغم إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على موقف موحد ! الفتنة لم تكن لتقع لولا أن الصحابة رضوان عليهم اختلفوا إلى حد رفع السيوف في وجه بعضهم البعض ، مما تسبب في تحيز بقية الأمة لأحد الفريقين ، أو إيثار القليل منهم اعتزال الفتنة اقتداء بسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وغيرهما من وجوه الصحابة . والنصوص التاريخية في تأكيد هذا المعنى أكثر من أن تحصى ، وإذا كانت بعض النصوص قد قالت بغير ذلك ، فإن المؤرخين وحتى المحدثين ، اجمعوا على شذوذ هذه النصوص بما فيها تلك النصوص التي ورد ذكر ابن سبأ فيها . لقد كانت شخصية ابن سبأ وما زالت موضع تساؤلات ومحل جدل كبيرين ، وقد ذهب المؤرخون المحدثون كطه حسين والعقاد ، إلى التأكيد بأن هذه الشخصية كانت مختلقة لأن ذكرها لم يرد قبل مرحلة الفتنة التي ادت إلى مقتل عثمان رضي الله عنه ، ولا بعدها . وللحديث بقية .