الحياة جسر طويل يعبر عليه كُلُّ مَن قدّر الله سبحانه وتعالى له أن يولد في هذه الدنيا.. جسر لا يمكن لكائن مَن كان الحياد عنه أو الهروب منه، وهذه حكمة ربانية جليلة، وإرادة إلهية عليا، والحياة الدنيا تحمل الازدواجية، ففيها المولد والوفاة، وهما محوراها الأساسيان -ولو سلم أحد من الموت لسلم سيد هذه الأمة وخاتم رسل الله سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الموت قضاء قسري محتم لا سبيل إلى المفر عنه، أو التخلص منه. وما من كائن إلا له مولد ونهاية، وابن آدم هو العنصر الأساس الذي يدور حوله كوكب الحياة، وذلك وصولًا إلى تحقيق الإرادة الإلهية الكريمة في قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). والموت سنة أزلية كتبها الله على مخلوقاته، وهي وإن كانت عند بني البشر مزعجة ومحزنة لنفوس الأحياء، ومكدرة لخواطرهم، تبث فيهم الأسى وألم الفراق، والتأسف على الرحيل، إلا أنها قد تكون سعيدة لمن أسعده الله، وكتب له النهاية الإيمانية المرجوة.. فكل راحل استراح من عناء الدنيا وفتنها التي لا تنتهي. ومن فضول القول ومسلمات الأمور إن لو لم تكن قوافل المسافرين تترى يتابع بعضها بعضًا منذ آدم عليه السلام وإلى آخر نفس تفارق الحياة لضاقت بهم الأرض، وسئم المعمرّون من الحياة. وسأمُ المعمرين جاءنا عنه خبر الشعراء الأقدمين والمعبرين السالفين.. الذين منهم لبيد الذي حينما طال عمره. وأخذ الناس يتحدثون عنه، مستغربين امتداد عمره لحقب طويلة، ويتساءلون كيف حصل له ذلك؟ قال: سئمت تكاليف الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟ وقد رحم الله قلوب عزاء أهل الميت ومحبيه بما يبث في نفوسهم من طمأنينة بقبولهم بالقضاء والقدر وإيمانهم بسنة الله في خلقه، وأن كل نفس ذائقة الموت، وأن كل من عليها فانٍ، وأن الأمل في الله سبحانه وتعالى في حسن استقباله وتكريم وفادته والعفو عن أخطائه، وتقبل حسناته وأعماله الصالحة ودعاء المحبين له، وتتويج ذلك بأن يمن الله عليه بجنان الخلد الوارفة وما فيها. هلّت بوادر الدموع، وأنا أشارك آل الفضائلي عزاءهم في فقيدهم والدهم الغالي الشيخ صالح عبدالله فضائلي -رحمه الله- الذي كان ملء سمع المدينة وبصرها، إذ قدّم لها الكثير من الخدمات، ثم قضى بقية حياته في داره محفوفًا بالحب وزيارة المحبين والأصحاب، حتى وافاه الأجل المحتوم. رحم الله الشيخ صالح رحمة واسعة، فقد وافته المنية في يوم الجمعة الثاني عشر من شهر رمضان الحالي 1432 وانتقل إلى جوار ربه، الذي نرجوه سبحانه وتعالى أن يمن عليه بالعفو والمغفرة، وأن يسكنه فسيح جنانه، وأن يلهم أبناءه وبناته وأحفاده وأرحامه، وكل من أحبه، الصبر والسلوان، (إنا لله وإنا إليه راجعون). خالد محمد النعمان - المدينة المنورة