في كل عام يهل على المسلمين هذا الشهر الكريم فتتشوق له النفوس وتتطلع لأيامه ولياليه ، وتستشرف الخير فيه وتسعى جاهدة إلى إحداث تغيير كلي في حياة المسلم ، ولا يوجد أحد من المسلمين لا يشعر بهذا الإحساس ، ولا يعيش هذا الواقع ، فالكل يعيش هذه الروحانية ويحاول أن يكون خلال الشهر في حال طيبة من السلوك والسمو الأخلاقي ، والتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات . بل أنه وقبل أن يهل هلاله يمني المسلم نفسه بحياة أكثر صدقاً وتقرباً وطاعة لله سبحانه وتعالى ، ففي الشهر الكريم حوافز وعوامل وعناصر كثيرة وأسباب عديدة تساعد على تحقيق ذلك السمو الأخلاقي والقرب من الله تعالى . فالتبرعات المالية والصدقات والهبات مثلاً تكون في شهر رمضان كثيرة جداً وتظهر فيه بوضوح أكثر من أي شهر سواه ، وتكون صادرة عن طيب نفس بل أن كثيرا من الناس يبحث جاهداً عن جهات تتقبل تلك التبرعات والصدقات ، ولا ينتظر من يأتي إليه لطلبها ، وقد يتساءل الإنسان عن السرِّ في تلك المشاعر والأحاسيس التي تسيطر على المسلم قبل وأثناء رمضان ولكن لا يصعب عليه معرفة الجواب فذلك الشعور والإحساس مستمد من نصوص شرعية جاءت بها الآيات القرآنية المنيفة والأحاديث النبوية الشريفة ، وكلها تدعو إلى التخلق بالأخلاق الفاضلة المحمودة والسامية النبيلة ، فهو شهر ارتبط معه المسلمون بالتعامل مع بعضهم بوشائج الصدق والخلق الرفيع ، بغض النظر عن وجود شواذ لا يتغير سلوكهم في رمضان عمّا سواه من الأيام وهؤلاء هم من المحرومين من الخير والأجر ومن حُرِمَ الخير في رمضان فقد حُرِمَ الخير كله . لأن الصيام له حكمة عظيمة إذا لم تتحقق للصائم فلا عبرة بصيامه . فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : [ من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في صيامه ] . إن من يدقق النظر في العلة في وجوب الصوم بصفة عامة يتضح له أن الحكمة في ذلك تحقيق التقوى ، والتقوى متى تحققت فقد تحقق للإنسان الخير كله وحاز على نعم عظيمة وآلاء كثيرة وكبيرة فعن رسول الله عليه السلام أنه قال فيما يرويه عن ربه : [ كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ] وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ] وهذا المنح العظيمة والهدايا الربانية الجزيلة كانت بفضل الله تعالى ورحمته ثم لبركة هذه الشهر العظيم الذي تحفزُّ كل لحظة ودقيقة في أيامه ولياليه على فعل الخير وبذل الجهد على الطاعة والإخلاص والارتقاء بالأخلاق نحو درجات السمو والكمال . ومن الملاحظ في شهر رمضان أن تظهر القيم الأخلاقية الراقية بوضوح بين فئات المجتمع في أغلب تعاملاتهم . وهذه الصورة الرائعة من سمات هذا الشهر فتعطيه أفضلية عظمى بين الشهور ، فالصيام كله لم يشرع إلا من أجل تحقيق التقوى كما نصّ عليه القرآن الكريم فالله عز وجل غني عن الخلق وطاعاتهم ، ولكن شرع الله تعالى الصيام وجعله وسيلة من وسائل الخير للعباد ليظهر حسن التعامل وسمو الخلق بين عباده ،ويرتقون في سلم القيم الأخلاقية عالياً ، ومن يمعن النظر في التعامل بين الناس وسمو الأخلاق في الجملة فإنه يستشعر عظمة هذا الشهر وفضله وأنه جامعة كبيرة للأخلاق ينهل منها المسلمون التعاليم السامية والفضائل العظيمة شهوان عبد الرحمن الزهراني- جدة