أكد الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي الرحالة المعروف أن أحداث 11 سبتمبر ساهمت بشكل مباشر في تحجيم دور الأعمال الخيرية، وتوقف الجهود الدعوية في الغرب، والتقليل من دور مكاتب الرابطة والمراكز الإسلامية التابعة لها، كاشفًا عن الدعم الكبير الذي كانت تتلقاه المؤسسات والهيئات الخيرية والمسلمون من رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - لنشر الإسلام ومبادئه في أرجاء المعمورة، ودعمه الدائم لأعمال الخير، ودفع الجهود الدعوية قدمًا، مدللا على ذلك ببعض الأعمال التي شهدها بنفسه وتلقى من جلالته تكليفا لتنفيذ تلك الأعمال في قارة أفريقيا وبعض الدول الأخرى، ومنها التكليف الذي تلقاه من جلالته حيث كانت أول رحلة قام بها إلى أفريقيا كانت في عام 1384ه، جاءت بأمر وإذن من جلالته - رحمه الله - لتوزيع بعض المساعدات المالية على الجمعيات والمؤسسات الإسلامية هناك، برفقة الشيخ محمد عمر فلاتة، والشيخ أبو بكر الجزائري، وذهبوا إلى (13) قطرا من أقطار شرق أفريقيا ووسطها، واستغرقت الرحلة (3) أشهر و (17) يوما، مشيرا الى أن أول رحلة صام من خلالها رمضان خارج المملكة كانت في عهد جلالة الملك فيصل أيضا عام 1386ه، حيث امتدت الرحلة دون توقف لأكثر من (5) أشهر بسبب المال الكبير الذي يتم توزيعه في تلك الدول الافريقية آنذاك بموافقة من الشهيد الملك فيصل - رحمه الله تعالى - فكان لزاما أن يتم صوم رمضان هناك لإكمال توزيع هذه المبالغ الكبيرة على الجمعيات والمؤسسات الإسلامية، لافتا بأنه صام ورفاقه رمضان في (الكونغو وفي نيروبي). وطالب العبودي العلماء والمفكرين والقائمين على الإعلام بتبصير المسلمين وتوعيتهم وإرشادهم في مواجهة التحديات والمستجدات المعاصرة، مؤكدا أن كل مستجد يجب أن يعرض على الكتاب والسنة، لأنهما مصدران لا يعرف مكنونهما إلا العلماء، والله سبحانه وتعالى يقول: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، فالعلماء أعرف الناس بما جاء عن الله عز وجل، لذلك تكون خشيتهم من الله أكثر، فإذا عرض أي شيء من الأحكام الدينية على القادة أو الحكام يحتاج أن يأمروا الناس بفعله أو بتركه فإنه ينبغي لهم أن يستشيروا العلماء ويأخذوا رأيهم فيه. ركن رفيع وقال العبودي: إن رمضان ركن رفيع من أركان الإسلام، من حيث المبدأ وما يعرفه المسلمون، ولكن هذا الركن لله سبحانه حِكَم في مشروعيته، وتشريعه للمسلمين، كما أن له فوائد جليلة وعظيمة، حتى فيما يتعلق بالصحة، مشيرا الى أن مفهومنا ونظرتنا إلى شهر رمضان المبارك قد اختلفت بحسب مراحل العمر، مرحلة الطفولة، ومرحلة الرشد، فمرحلة الطفولة كنا نفرح بمجيء شهر رمضان وقيامه لأنه كان يدخل شيئا جديدا بالنسبة إلينا نحن الأطفال في ذلك الزمان، لأننا قد عشنا في بلدنا قبل التطور الأخير للمملكة وتحديدا في مدينة (بريدة) التي ولدت فيها، فكنا بعد صلاة العشاء من كل يوم ننام مبكرين، إلا في ليالي شهر رمضان فإن نظام حياتنا يتغير في السهر والقيام لصلاة التراويح وتناول بعض المأكولات والمشروبات، وكنا نلاحظ علامات الفرح والسرور بادية على محيا كل أهالي البلدة بقدوم شهر رمضان والاستمتاع بما فيه من عبادات وقربات لله سبحانه وتعالى، مضيفا كنا نشاهد شيئا آخر وهو ولله الحمد مستمر ومتواصل حيث قيام أهل الخير والثراء بما يجودون به على الفقراء والمحتاجين في رمضان أكثر من غيره من الشهور، فيفرح أولئك الفقراء بما يأتيهم من فضل الله من الأغنياء، ويفرح أهل الثراء بما قدموه امتثالا وطاعة وتقربا لله تعالى، أما المرحلة الثانية ما بعد الطفولة، فهو بالنسبة لنا شهر التهجد والقيام وتلاوة القرآن. وعن ذكرياته آنذاك، قال: أذكر أن بعض أهلنا وبعض طلبة العلم كانوا يختمون القرآن في 3 أيام، لكثرة تلاوتهم القرآن وتعهده، بقراءته طوال اليوم بما يعادل 10 أجزاء في اليوم الواحد، وليس هذا عامًا للناس كلهم، وإنما هو خاص ببعضهم، ولذلك كنا نرى الناس في ذلك الوقت بعد كل صلاة فريضة لا يخرجون من المسجد مباشرة كما يكون في غير رمضان، وإنما يستمرون في المسجد في قراءة القرآن فرادى بعد انقضاء الصلاة، مؤكدا أن العجيب الغريب أنني رأيت في ذلك الزمن أن الناس لا يحتاجون أن يطلبوا من أبنائهم أن يصوموا وانما يطلبون منهم أن يفطروا، لأن الأطفال يقلدون أهلهم فيصومون مثلهم، وهم في سن صغيرة ولهذا يطالبهم الوالدان بعدم الصيام لصغر سنهم ولكونهم لا يتحملون الصيام. وحول الأشياء التي ما زالت عالقة في ذهنه من ذكريات الطفولة الرمضانية، قال: هناك أشياء كثيرة وبعضها قد يكون تافها، فالأطفال يقلدون أهاليهم، فيصومون، وبعض الأطفال كانوا يأكلون خفية عن الوالدين في نهار رمضان، على الرغم من أن الوالدين لا يغضبون لذلك لأن هؤلاء الأطفال لم يبلغوا سن التكليف إلا انهم كانوا يحاولون أن يبينوا لأهليهم قدرتهم على الصيام مثلهم، كما أذكر أن بعض الآباء ينهون أبناءهم عن الصيام إذا كانوا صغارا في حدود السن الثامنة أو التاسعة، فيصر أولئك الأطفال على الصيام فيقول لهم الآباء (صوموا صوم الدجاجة والديك) أي صوموا كما يصوم الدجاج (التي تصوم عن كل شيء إلا عن الأكل والشرب)، مشيرا الى أن التغيير في نظام الحياة آنذاك صحيح وواقع، ولكنه ليس تغيرًا حادًا كما يحصل اليوم، فالناس اليوم أصبح رمضان عند بعضهم سهرًا ومشاهدة القنوات الفضائية والمسلسلات، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من برنامج الشباب في هذه الأيام قبل النوم، أما سابقا وفي عهدنا تحديدا لم يكن هذا معروفا، فالناس إذا سهروا للعبادة فإنهم لا يسهرون الليل كله، وإنما جزء منه، ويعوضون عن ذلك بنوم وسط النهار، ولا ينامون بعد صلاة الفجر كحالنا اليوم لأن ذلك لم يكن معتادا من برنامج الناس قديما، فهم يعملون منذ البكور، كما أن أعمالهم في رمضان لم تتغير عن غيره من الشهور، فهي أعمال شاقة ومتعبة، أما بالنسبة للمدارس فقد كان يخفف عنا بمعدل الثلث. وقال: نحن لا نواجه تحديات حول شهر رمضان، أما بالنسبة للمسلمين في الخارج، وفي الأمصار التي كانت قد استعمرت فهم يواجهون تحديات عظيمة، لكن مواجهتها تكمن في التبصير والتوعية وبيان حكمة الصيام، واستغلال قيمه العظيمة. رمضان في أفريقيا قال العبودي: معظم الناس الذين زرناهم في رمضان في الدول الإفريقية يعيشون حياة البساطة، يعملون نهارا وينامون مبكرا من الليل، وقد صمت رمضان مع المسلمين في زامبيا، وفي عدد من الدول الإفريقية فكان أجمل ما فيها اجتماع المسلمين في رمضان على طعام الإفطار فكل شخص يأتي بما يستطيع أن يأتي به من طعام وشراب إلى المسجد فيجتمعون ويفطرون تاركين أبواب المسجد مفتوحة لمن يريد الإفطار معهم من غير المسلمين، ضاربين في ذلك أروع الأمثلة للتعريف بمكارم الإسلام وفضائله، وتجد تلك المأكولات والوجبات الرمضانية وقعها في نفوس غير المسلمين الفقراء الذين يعتبرون تقديم وجبة طعام من أفضل ما يقدم لهم، وهو ما يفعله المسلمون هناك. وعن المحطات والذكريات في تلك الرحلات الطويلة قال إنه: لم يكن هو ومن معه يواجهون صعوبة في الصيام في الأماكن التي فيها مسلمون، بل المعاناة في الأماكن التي ليس فيها مسلمون إلاَّ أقلية قليلة، حيث كان المسلمون من السنغال وغيرها يرسلون لهم الإفطار والسحور، وهو من طعامهم لم يتعود عليه، كطعام قلي الموز الأخضر وخلطه بكثير من البهارات الحارة، ونحو ذلك من تلك المعاناة خصوصا في مسألة الطعام الذي لم نتعود عليه في بلادنا إطلاقا، فكنا نصوم هناك في الحر الشديد والرطوبة العالية كما في الكونغو وزامبيا التي استمرت فيها الرحلة أكثر من (5) أشهر، حين كنت في ذلك الوقت اشغل منصب الأمين العام للجامعة الإسلامية، مضيفا عن أبرز مواقف تلك الرحلة بقوله: وكان معي شاب أقسم بالله أن ثلث شعر رأسه قد ابيض، بعد رجوعه معنا في تلك الرحلة، للضغوط النفسية، وكذلك الخوف مما قد يعترضنا ونحن نحمل مبالغ مالية خصوصا في (الكونغو) المضطربة التي عرفت بالمهربين، فيما يتعلق بتهريب (الماس)، مما جعل رجال الجمارك يقومون بتفتيش وتعرية من يشك في أمره، مبينا أنه أصبح يتعمد عدم الخروج للزيارات خارج المملكة في رمضان إلا للضرورة كحضور حفل إسلام رئيس جمهورية الغابون (عمر بنقو)، وقد لقنَّاه الشهادتين، مع وفد إسلامي كبير من (4) دول إسلامية.. وقال عن السبب في زيارة بعض المناطق والبلدان في أمريكا: زرت كثيرا من تلك المناطق في الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من الدول الأمريكية، لأنني كنت أشغل منصبًا حكوميًا أستحدث في عام 92ه، في إدارة تسمى آنذاك (الأمانة العامة للدعوة الإسلامية) شغلت فيها وظيفة الأمين العام للدعوة الإسلامية وأمين الهيئة العليا، وكان مقرها الرياض فكنا نقدم مساعدات كثيرة وجليلة من الحكومة السعودية، فاقترحنا الذهاب إلى الدول الأمريكية ووضع خطة سنوية للدعوة فيها، هدفها الدعوة إلى الله وعدم التدخل في الأمور السياسية، فكنت أزور المناطق لمعرفة أثر المساعدات التي كانت قدمت لتلك المناطق التي فيها مسلمون، هل وقعت موقعها وانتفع بها المسلمون؟ وماذا تصرف بها أهلها؟ معتبرا الإفطار في سطح المسجد الحرام جوا روحانيا غامرا لا يوازيه مكان، موضحا وجوب استلهام سيرة المصطفى وخلفائه الراشدين والمجاهدين من بعدهم خصوصا في رمضان.