خرجت رواية: (يوميات ناقل أسرار)، والصادرة حديثًا عن النادي الأدبي بمنطقة الجوف للشاعر المصري المقيم في السعودية عصام أبو زيد؛ لتفجّر طاقات إبداعيّة، وثيمات دلاليّة، عوّدنا عليها أبو زيد في نصوصه الشّعريّة، واحتكاكه مع القصيدة، وعالمها الغني بالصّورة الإيحائيّة، والتراكيب اللّغويّة الرصينة، ممّا يدلّ على أنَّ أبا زيد يخوض تجربة روائيّة محمّلة بالرؤى، والآمال الطافحة بالأبعاد الإشرافية الكبيرة. ويتّضح ذلك من خلال حضور مؤشرات الجرأة بالطرح وكشف السّتار عن عالم الدّولة المصرية المستور، وكنوزها الدفينة تحت ركام الغبار، وأدران الحكّام. ولعلّ المدقّق في (ناقل أسرار) يلحظ أنَّ أبا زيد يتخذ من الشّبكة العنكبوتية وسيلة يصل بها إلى مآربه، التي يسعى جاهدًا لبثها في المجتمع، متمثلة بالغوص في جذور الواقع الاجتماعي المصري، ومكنونه الداخلي؛ لكشف بواطن الخلل والفساد المستشرية به. الأمر الذي دفع أبو زيدٍ إلى تسمية روايته ب ( يوميات ناقل أسرار)، فهو يعتقد أنَّ ما يقوم بسرده من مشاهد وسلوكيات أسرارًا محرّمة، لا يجوز البوح بها، فالخطر والسرية محيطان بهما من كلّ حدب وصوب. وبهذا الشّكل، فإنَّ أبا زيد يطرح تهكمه اللاذع من الطبقة المصرية الحاكمة؛ لأنّها تخوض في براثن الجبروت البشري، من تسلط واستحواذ لمشاريع الشّعب والمواطنين، واستفحال كبتهم لتلك الفئات. وبناءً عليه، بقي أبو زيد متيقظًا لأحرار الأمّة المصرية صاخبًا على الطبقة العليا والحكّام؛ لأنهما ظلمَا المؤلِّف، وأحبطا القارئ، وسحقا المتلقي، فهما ينظران إلى هؤلاء على أنّهم أشخاصٌ عاطلون عن العمل، لا يملكون إلا كلامًا لا جدوى منه. وفي ملمحٍ مهمٍّ من ملامح الصّخب، والضجر في (ناقل أسرار)، نقرأ حال المثقفين المصريين البائس، وكيف تمّ إقصاؤهم جانبًا، دون أي اهتمام أو متابعة؛ ليتولوا مسألة النشر والطباعة لأعمالهم بنفسهم، حاملين ما حفل به مجتمعهم من هموم وضغوطات، وارتجاجات الصعود والهبوط. من هنا، استغل أبو زيد المجتمع ليرسم لوحة فنّيّة تنبض بالحياة، بما فيه من انتكاسات، وظلم وجور، واستكانة وخنوع، وفساد، فضلًا عن ملامسته تلك الأشياء ومعايشتها حقيقة واقعية دون زيف، أو بهتان. لذا، نلحظ تناغم البعد الداخلي عند أبي زيد مع البعد الخارجي في الرواية، فهو بقدر ما يكشف عن عالمه الخاص، وآرائه الذاتية، وأبعاده المأزومة، فإنّه -في الوقت نفسه- يعمد إلى إبراز الواقع الاجتماعي دون مواربة، أو نفاق، أو تزلف لشخصٍ ما. وتأسيسًا على ما سبق أقول: إنّ أبا زيد أسرَ القارئ في عالمه الخاص، وأجبره على مشاركته بما يراه، ويحسّ به تجاه وطنه، فضلًا عن تشبثه الحقيقي بثيمات مجتمعه، وعناصره. وعلى الرّغم من النجاحات الصّارخة لسرد أبي زيد الروائي، وتنامي الأحداث لديه، إلا إنّه ما زال يعاني من الإشكاليات، ويظهر ذلك جليّاً في القفزات التي أدّت إلى إفساد متعة التّلقي والمتابعة، لا سيما في القسم الثالث من الرواية، فضلاً عن استخدامه لبعض الألفاظ العاميّة، وهجرانه للترقيم الذي يزيد من تماسك النّصّ وتناغمه. وخلاصة القول: تتضمن رواية: (يوميات ناقل أسرار) عالم يطفح بدلالات، وأسرار ثرّة، كما تكشف عن كاتب يبشّر بولادة تجربة روائية، قيِّمة وواعدة على خارطة الرواية العربية، في ظل زحمة الإنتاج الروائي، وقلّة القراءة له. * أكاديمي - جامعة الجوف