مشكلة الذين ينادون بإقامة دولة دينية في مصر وبعض البلاد العربية الأخرى التي شهدت وما زالت تشهد اندلاع الثورات ضد انظمة الحكم المستبدة ، هو أنهم نسوا الصعوبات الجمة التي تكتنف الوصول إلى مثل هذا الهدف .. أي إقامة الدولة الدينية . أولى هذه الصعوبات تتمثل في استحالة وجود إجماع شعبي حول قراءة موحدة للدين . وهي مشكلة تتجاوز عامة الشعب لتصل إلى التيارات الدينية نفسها ، إذ لم يسبق أن توافقت التيارات الدينية في مجتمع ما أو في ظرف تاريخي ما ، حول رؤية محددة وموحدة للدين . هو ما يعني ان مشروع الدولة الدينية عند تيار ما ، يمكن أن يعتبر مشروعا لا علاقة له بالدين عند تيار آخر . وهذه مشكلة ليست هناك قابلية لحلها . العقبة المهمة الثانية هي أن قيام الدولة الدينية سيحول الشأن العام بكل ما يحتوي عليه من تفاصيل صغيرة ، إلى شأن ديني طالما أن من يقوم على إدارته إنما يفعل ذلك باسم الدين . وعليه فإن توجها تكنوقراطيا محضا كتحديث مناهج التعليم مثلا ، يمكن أن يتحول إلى مادة لجدل ديني لا تحمد عقباه ! المشكلة أن الدولة الدينية تحكم باسم الله ، وهو ما يسبغ على الدولة ( التي هي منتج بشري في الأصل ) صفة القداسة ، كما انه سيقتضي التعامل مع أي اعتراض على سياسات الدولة وطريقتها في تسيير الأمور ، وكأنه اعتراض على الإرادة الإلهية نفسها . البشر خرجوا من هذه المأزق مع ظهور الدولة المدنية التي خلعت جلباب القداسة . ذلك أن الدولة المدنية لا تنطلق من مشروع يدعي الكمال ، وعلى هذا الأساس فإنها قابلة للتقويم والتطوير والتعديل عن طريق الآليات الديمقراطية المعروفة كالانتخاب والاستفتاء العام . الدولة المدنية ليست بديلا عن الدين وليست نقيضا موضوعيا له . الدولة المدنية هي بديل إنساني لمشروع الدولة الدينية الذي يحصر الدين في رؤيا أو مشروع أو اجتهاد بشري ما . إنه مشروع إنساني ينطلق من الإيمان باحتمالات الصواب والخطأ ، ويقوم على الاعتراف بمبدأ قصور التجربة البشرية . عندما تكون الأمة هي مصدر السلطات ، فإن ذلك يعد أكبر حماية للبشر والدين على حد سواء . [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain