هاتان المدينتان ليستا مدينتي تشارلز ديكنز اللتين كتب عنهما روايته الشهيرة بهذا المسمى، بل هما أشرف وأعظم من مدينتيه. إنهما مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة. كثيرون في العالم يعلمون مدى التطوير والتحديث لهاتين المدينتين عامة وللحرمين الشريفين خاصة. فقد قامت هذه الدولة السعودية على مدى تتابع سنين عمرها، وتتابع ملوكها بالعناية بالديار المقدسة ومشاعرها. يعرف هذا القاصي والداني. ممن سمع ولم يشاهد. وممن شاهد وذهل فأثنى. فالأعمال الجليلة العظيمة لا تخبِّئُها الكلمات الكاذبة، ولا الإيحاءات الشاذة. فكيف تُخبّأ تلك المليارات الشاهدة الناطقة بأفصح لسان؟ لقد كان إغداقاً مالياً كبيراً لم يتردد قادة البلاد في إنفاقه. يدفعهم إليه إيمانهم بواجبهم الديني نحو هذه البقاع، وشعورهم بالمسؤولية العظمى لخدمتها. ولكن كثيراً من إخواننا في العالم لا يشعرون بتضحيات المواطن أيضاً. فقدْ فقدَ في التوسعات المتتالية للحرمين الشريفين مرابع صباه وذكرياته ومدينته التي نشأ فيها وترعرع. هذا فقْدٌ إنساني وتضحية كبرى. فكثير من هؤلاء المواطنين لم يبق مما كان من مدنهم إلا ما يحمل الواحد منهم من ذكريات في رأسه عنها. كما وصف أحد شعرائهم: «وشِلْتْ في راسي المدينهْ». هذا الكاتب عاش في صباه في مكة وفي فُتوّته في المدينة ثم تغرّب في بلاد بعيدة وقريبة. وكلما ذهب إلى مدينتيه الحبيبتين يصبح كالحاج غريباً. ويظل يبحث عن زاوية لم تزل باقية لعله يستعيد مدينته كما عرفها، فلا يجد. لم يبق إلا المسجدان كنقطتي ارتكاز ثم ينطلق منهما في الخيال نحو الأزقة والحارات. هل فكر الذين عاشوا في مدنهم مع ذكرياتهم منذ ولدوا وتربَّوا وعملوا، في جسامة التضحية بالذكريات؟ إنها فقد شخصيتك التي طبعها الزمن على صفحته. هذه مسألة إنسانية عاطفية بحتة. يجب ألاّ تُؤول حسب الهوى. ولكن الواقع وضروراته تحتّم على الناس قرارات صعبة لا تعبأ بالعواطف. منها الهدم والاتساع. 00966266999792 فاكس [email protected]
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (60) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain