أشعر بكثير من الانقباض كلما فكرت أو أحسست بضرورة مراجعة دائرة حكومية أيا كانت ، لأن التجارب الشخصية السابقة ولعقود وتجارب الآخرين ليست إيجابية ، فمن المعروف أن أي موضوع ولو كان بمقدار أنملة سيتحول إلى قضية كبيرة تجبر المرء إلى المراجعة مرات ومرات ، وقد لا يتمكن من قضاء حاجته ،وربما يجد نفسه في دوامة لا أول لها ولا آخر ، والسبب ليس من النظام الإداري نفسه غالبا ، ولا الوزارة ولا الوزير ، ولكن قد تكون العلة الحقيقية مختبئة خلف كرسي موظف صغير – المسئولية وليس المقام – هو من يصنع الأعاجيب ويضع العراقيل ، ربما بحسن نية ، أو انطلاقا من جهل وعدم معرفة بطبيعة عمله أو الموضوع نفسه ، وربما يعيش بعض الأفكار السوداوية حول المراجع كأن يراه في موقع المحتاج إليه ولابد من « مرمطته « ليعرف قيمته ويقدره حق التقدير ، وفي أحيان نادرة يكون وراء التعقيد هدف غير نبيل « رشوة « أو قضاء مصلحة شخصية للموظف نفسه ، وعلى العموم فإنها كلها حالات مرضية ومسيئة للجهاز الحكومي ومن خلفه !! تلاعب الموظفين سواء بتأخرهم عن الدوام ، أو زوغانهم خلال اليوم ، أو إهمالهم لمسئولياتهم و عدم قيامهم بما أوكل إليهم كما يجب ومطلوب منهم ليست قضية عادية لا يمكن تجاهلها والتغاضي عن مرتكبيها من كافة الجهات ذات الصلة والمسئولين على كافة مستوياتهم ، بل قد تكون من أكبر عوامل التخلف الإداري الذي نعاني منه في كل زوايا حياتنا العامة والخاصة ، وملف القصورالداري الذي فتح في أزمات عدة ليس ببعيد عنا فلو لم يكن عامة الموظفين صغارهم وكبارهم يعيشون بعيدا عن أعين المراقبة « البشرية « ، ولم يكن لديهم أي لياقة إيمانية ترجعهم عن اقتراف الخطايا التي ارتكبوها بحق أنفسهم أولا وأهليهم ومواطنيهم ووطنهم ، ولو كان لدينا نظام متابعة ومراقبة إدارية حقيقي ودقيق وفاعل لما حدث ما حدث – بعد قدر الله – ولما وصلت القضية إلى ما وصلت إليه ، ولذلك فنحن بحاجة إلى نظام يحمي الوطن والمواطن من أي تلاعب بمقدرات الأمة ومكتسباتها الحضارية وحماية المال العام من الإهدار وابتزاز المراجع وحرمانه من حقه في خدمة راقية وحضارية في كل نقطة خدمة في دوائرنا الحكومية !! لعل من أكبر أسباب ترهل وتدني مستوى أداء بعض الدوائر الحكومية وتخلف قدراتها الإدارية والتنفيذية غياب القيم وأخلاقيات المهنة لدى بعض من العاملين ، لأن الواحد منهم يشعر بأنه صاحب الحق في الكرسي الذي يدور به يمينا وشمالا ، وأن المراجع مجرد متسول على بابه يطرده إن شاء ، ويتصدق عليه ببعض ما تجود به نفسه من خدمات ، ولعله مما ترسخ في يقين معظم الموظفين – صغارا وكبارا على السواء – أن الراتب الذي ينزل في حسابه شهريا هو من حقوقه الفطرية التي لا ينازعه فيها أحد ، بل قد يظن البعض أنه ممن يستحق الضمان الاجتماعي طالما أنه مواطن فله كل الحق فيه، ولعل الجميع ينسى أو يتناسى بل ويتجاهل أن الراتب إنما هو مستقطع من المال العام وأن أي موظف ما هو إلا خادم للمراجعين مهما كانوا ، وقد أكد على هذا المبدأ الملك عبد الله وبصريح العبارة حين قال وبالحرف الواحد : أنا خادم لكل مواطن ، فهل يعي الموظفون العاديون والممتازون هذا المبدأ ،وهل يعرفون أنهم موجودون على هذه المكاتب لتقديم الخدمة بأفضل ما لديهم من مهارات وخبرات وأنهم مسئولون بين يدي الله أولا وأخيرا عما استرعاهم ولي الأمر من مهمات، فكلكم مسئول عن رعيته إن كنتم تعلمون !! أوامر ملكية عديدة بالمحاسبة والرقابة الصارمة وتنفيذ المشروعات ، نداءات أطلقها الملك عبد الله منذ أن كان وليا للعهد وبعد توليه الحكم بسرعة إنجاز المعاملات وتقديم أفضل الخدمات للمراجعين ، ورغم كل الأنظمة القديم منها والحديث ، وتكوين جهات متابعة ومراقبة إدارية ، أقول رغم كل هذه الأشياء الكبيرة والهامة إلا ان البعض يظن انه قائم بأعماله على أفضل وجه ، وليس لديه أي تقصير ، وإذا كان مسئولا عن دائرة حكومية فهو يشعر أنها تحقق أعلى درجات الأداء وبل وتستحق شهادات التميز والحصول على جوائز عالمية في الجودة ، فأين الخلل ، أم لا يوجد أي خلل ، هل أمورنا ماضية نحو مستقبل وضاء من التطور والرقي في كل المجالات ؟