لا أحد يشك في أن الإسلام دين الأخلاق فيه أحكام واجبة التنفيذ، وليست مجرد فضائل يتغنى بها أتباعه، ولا يلتزمون بها، فمن المعلوم من الدين بالضرورة أن الصدق مثلاً واجب، من تركه أثم، ومن استعمل ضده (الكذب)، فقد ارتكب إثماً عظيماً، فالكذب كبيرة من الكبائر، التي نهى الله المسلم عن اقترافها، والمؤمن قد يسرق أو يزني ولكنه لا يكذب، والداعي إلى الله يتولى منصباً عظيماً، لا يدرك أثره إلا من اطلع بيقين على منهج سلوك الداعي الأول، الذي دعا الله حتى أتاه اليقين سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اوجزغاية دعوته حين قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وعليه فكل من عرى عن هذه المكارم ووقع في سقطات اللسان من السب والشتم واللعن، ومحاسبة الناس على نيات لا يعلمها سوى الله، ومن احتوتها صدورهم، ولم يعلنوا عنها قط، لا يصلح أن يكون داعياً، بل لعلي لا أتجاوز الحقيقة إن قلت إنه قد جهل الإسلام جهلاً ذريعاً، ولا يوكل لمثله بيان أحكامه، وهو يجهل بديهاته، وحينما نسمع ونقرأ سقطات ألسنة تغافلت عن أخلاق الإسلام وقيمه الثابتة عبر نصوصه من الكتاب والسنة، لتختار الأقبح من ألفاظ السب والشتم، ليؤذي أصحابها الخلق بألسنتهم الحداد، من مثل، لو رأيت فلاناً بصقت في وجهه، أو أن فئة من الناس لا يساوون بصقة فلان، فاعلم يقيناً أن مثل هذا الأسلوب الإسلام منه بريء، وأنه قد زل لسان من نطق بها، وظن أنه فوق الخلق، فارتكب من الإثم أعظمه، وأساء إلى نفسه بما لا مزيد عليه من الإساءة، والصمت على مثل هذه الأساليب إنما هو دعوة صريحة إلى أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم، فربنا عز وجل يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، ومن معاني الفاحشة القول القبيح المفرط القبح، الذي إذا تعودته ألسنة العامة اشاع في الناس أسوأ الاخلاق، وترتب على ذلك أسوأ السلوك، وأسوأ ذلك ما كان وقوعاً في عرض المسلم باتهامه بالضلال والدعوة إلى باطل، فكيف إذا جرى هذا القول القبيح على لسان من ادعى العلم بالدين، وزعم أنه داع إلى الله، وهو يتنكب شرع الله ولا يلتزم أحكامه، ولكن الصمت على مثل هذا، وعدم محاسبة من اتخذه أسلوباً، يغري من قلّ علمه أن يتجاوز كل الحدود، ويشيع بين الناس مثل هذا السلوك الرديء، خاصة إذا صدر ممن أوكل إليه توجيه الناس عبر منابر الجوامع، وكانت له الدروس فيها، وله تلاميذ ومريدون ينشرون أفكاره، لذا فنحن اليوم نرى مثل هذا السلوك الرديء يتكاثر بين أدعياء العلم، بل ونجد لمن يتفوه بمثل هذه الأقوال القبيحة الفاحشة أنصار يدافعون عنه، بل وإن عوتب ضجوا بما ادعوا باطلاً أنه ظلم وقع عليه، ولما غفلنا عن هذا كله حتى استشرى، اصبحنا اليوم لا قدرة لنا على مواجهة هذا السيل من القبائح التي غمرتنا، وأصبحت عند البعض جزءاً أصيلاً من خلافاتهم مع بعضهم ومع الآخرين، لا يحترم أحد منهم أخاه، ما دام يختلف معه، ولو على أمر يسير، وكلما انتقد لشخص منهم رأي تملكه الغضب الذي يتجاوز به كل حد، ويفقده صوابه، فتندفع من فمه القذائف المشتملة على كل لفظ قبيح، يظنها أنها مهينة لخصمه الذي اختلف معه، وينسى أن نصيحة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أتم الله به مكارم الأخلاق، حينما قال لمن سأله النصيحة بأوجز عبارة: ( لا تغضب يرددها عليه مراراً) فكم يفقد الغضب صواب من يعتريه فيوقعه في ما يندم عليه، ويجري على لسانه ما قد يلقيه سبعين خريفاً في النار كما ورد بذلك الحديث فقد قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً تهوي به سبعين خريفاً في النار) ويقول حينما قال له سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه (أمواخذون بما نتكلم به أو تنطق به ألسنتنا) قال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم)، وكم قد تحدث علماء الأمة الأبرارعن آفات اللسان، الذي لا تضمن الجنة إلا بضمانه فلا يستخدم إلا بما أباح الله من الكلام. فسيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة)، ولهذا قال أيضاً: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ولعل عدم ضمانهما في عصرنا هذا من أهم أسباب الفساد الأخلاقي، ومن جهل هذا كله فليسمح لنا أن نقول له: إنك لست عالماً ولا تصلح للدعوة، فهل يعي.. هذا ما أرجوه والله ولي التوفيق. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain