«وأنت تحرر نفسك بالاستعارات فكر يغيرك.. ممن فقدوا حقهم فى الكلام !».. بهذه المقولة تنطلق دراسة بعنوان : «المثقفة اليهودية الأخيرة.. جوديث بتلر قارئة لسعيد ودرويش»، كتبها عبد الرحيم الشيخ رئيس دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية بجامعة بير زيت الفلسطينية.تتجول الدراسة فى مفاهيم شتى ومتقاطعة فى آن واحد، فيما تسعى لتفكيك عناصر وتعمل جوديث بتلر أستاذة للبلاغة والأدب المقارن فى جامعة كاليفورنيا، وحازت درجة الدكتوراه فى الفلسفة من جامعة ييل عام 1984 ، وهى كباحثة تنشط فى حقول الفلسفة السياسية والاجتماعية ونظرية الأدب والدراسات الثقافية. ولها عدة مؤلفات منها «مفاعيل الرغبة: تأملات هيجلية حول فرنسا القرن العشرين»، و»معضلة النوع الاجتماعى: النسوية وقلقلة الهوية»، و»الحياة النفسية للقوة»، و»الكلام المستثار». ويشير عبد الرحيم الشيخ إلى أن بذور دراسته وأفكارها الأولية ولدت أثناء زيارة قامت بها جوديث بتلر لجامعة بير زيت، ومدن فلسطينية، فى مطلع فبراير 2010، موضحا أن بتلر تمثل نموذجا للمثقفين اليهود المؤيدين لسياسات مقاومة إسرائيل ومقاطعتها من أجل فلسطين. وتنتمى كتابات جوديث بتلر لما يعرف بالتيار اليهودي المضاد للصهيونية، وتقديم قراءات نقدية فى الثقافة اليهودية داخل أوروبا وخارجها، فيما كان آمنون راز كراكوتسكين قد دشن هذا التيار الذى يضم أسماء مثقفين يهود بارزين، منهم إيلا شوحط ويهودا شنهاف وجبرئيل بيتربرج، وهم أصحاب رؤى وطروحات تتعامل مع المشروع الاستعمارى الإسرائيلي، وإنكاره حقوق الفلسطينيين، بخطاب نقدي صارم. وكانت جوديث بتلر قد شرعت فى حملة للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، حتى قبل أن تبدأ الحملة الفلسطينية، التى تقوم فيها جامعة بير زيت بدور كبير. ويعود عبد الرحيم الشيخ لحوار مطول مع البروفيسور الفلسطيني إدوارد سعيد أجراه الصحفى الإسرائيلى آرى شافيط، وتحدث فيه عن أحلامه فى العودة من المنفى لفلسطين، بقدر ما عبرت الحوار عن مثقف يقف إلى جانب المغلوبين والمظلومين ويدافع عن مصالحهم.وعلى حد قول صاحب الدراسة، فإن إدوارد سعيد- الذي لم يأل جهدا فى إدانة ففى غمرة امتلاء شاشات العالم بالدم الفلسطينى أثناء الاجتياح الإسرائيلى الوحشى للمدن الفلسطينية، فى ربيع عام 2002، سجل محمود درويش صرخة تتنكر للحرب، وتضع فلسطين معيارا أخلاقيا أعلى لموقف المثقف من قضية الحرية. هو هالة مذهلة لسلسلة من المآسى والخسائر والتضحيات والألم». أما محمود درويش، فقد أكد مرارا على ضرورة جعل الاحتلال دوما أكثر كلفة، ليتحول وعي التخلي عن الاحتلال إلى مصلحة، لا مجرد نوع من التضامن الأخلاقى.وإذا كان تصحيح الخطأ والخطيئة مهمة النثر والشعر معا، ومهمة المثقف الحقيقى بالضرورة، فلابد وأن يلتقى مثقفون بالمعنى الحقيقى للكلمة، كإدوارد سعيد وجوديث بتلر ومحمود درويش، كما أثبت عبد الرحيم الشيخ فى دراسته العميقة حقا.