النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أصبح على أعتاب مرحلة جديدة تبدأ في سبتمبر المقبل، عندما ستقرر الأممالمتحدة موقفها من الطلب الفلسطيني بالاعتراف بدولة فلسطين، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وحيث لا تخفي إسرائيل والأممالمتحدة نفسها القلق من جراء تلك الجولة الجديدة من النزاع، والتي يمكن وضعها تحت عنوان «صراع الشرعيات»، وما تطالب به السلطة الوطنية لا يتعدّى وضع القرارات الأممية الخاصة بهذا النزاع موضع التطبيق الفعلي بالنسبة لطرفي النزاع، وتبدو الأممالمتحدة في موقف لا تُحسد عليه من جرّاء المطلب الفلسطيني، فإمّا أن تطبّق ميثاقها بحذافيره، بما في ذلك طرد الدولة العضو التي لا تحترم تعهداتها والتزاماتها إزاء القرارات الدولية، ومعاقبة الدول التي تتنكر لذلك، فتثبت مصداقيتها، وإمّا أن تتجاوز عن ممارسات إسرائيل تحت الضغوط الأمريكية والابتزاز الصهيوني، فتثبت عدم مصداقيتها، وتطبيق سياسة ازدواجية المعايير. المجتمع الدولي بأسره يدرك أن حق تقرير المصير مبدأ قانوني ملزم، يرتقي لمستوى القواعد القانونية الآمرة التي نص عليها ميثاق الأممالمتحدة، وأقره كذلك العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعتمدان بقرار الجمعية العامة (2200 ألف - د-21) المؤرّخ في 16 ديسمبر 1966 في المادة الأولى المشتركة بين العهدين والتي نصت على أن ”لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي، وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. بالرغم من أن هذه الحقائق يقرها القانون الدولي، ومبادىء حقوق الإنسان، وميثاق الأممالمتحدة، إلاّ أن الأممالمتحدة ظلّت تتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية لاجئين حتى صدور القرار رقم (2535)، الذي أشارت فيه الجمعية العامة لأول مرة إلى الشعب الفلسطيني بصفته شعبًا له حقوق غير قابلة للتصرّف، وأكدته بالعديد من القرارات اللاحقة، والتي أقرّت بمشروعية الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل وضع مبدأ تقرير المصير موضع التطبيق العملي. ومن أهم تلك القرارات ما صدر في أعقاب قرار المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر1988بإعلان قيام الدولة الفلسطينية، وهما القراران (43/176)،( 43/177) الصادران في 15 ديسمبر 1988. لكنَّ أيًّا من تلك القرارات لم يتم تنفيذها على أرض الواقع؛ بسبب الرفض الإسرائيلي، والفيتو الأمريكي، ممّا ساهم في تعقيد القضية الفلسطينية، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني في ظل احتلال لا تبدو له نهاية، وفي ظل القمع المتواصل، والانتهاك المستمر لحقوق هذا الشعب، وتراجع حركتي فتح وحماس عن الثوابت التي وردت في ميثاق التنظيمين الأكبر على الساحة الفلسطينية، أضر بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، حيث أدّى التنازل إلى ما دون مستوى القرارات الدولية التي تعطي الفلسطينيين حقوقًا أكبر بكثير ممّا يطالبون به الآن، بما في ذلك حق إقامة الدولة على 22% من أرض فلسطين التاريخية، فيما أن قرار التقسيم الصادر عام 1947 يعطيهم أكثر من ضعف هذه المساحة. كاتب يهودي: التقسيم مهزلة يشرح الكاتب اليهودي ألفريد ليلينتال في كتابه «هكذا يضيع الشرق الأوسط» وقائع التمثيلية الهزلية التي جرت في أروقة الأممالمتحدة عشية صدور قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، وهي الوثيقة الحيّة التي تشهد على دور اللوبي الأمريكي في خدمة المصالح الإسرائيلية، ووضع تلك المصالح في مرتبة أعلى من المصلحة الأمريكية نفسها. وهو يشرح هذا الدور بقوله :»كان من المفروض أن يجري التصويت على التقسيم في 26 نوفمبر 1947، في جلسة ليلية، غير أن الصهيونيين، بعد أن تأكدوا من أنهم لم يكونوا يملكون ثلثي أصوات الجمعية العمومية، وهو العدد اللازم للموافقة على أي قرار، تمكنوا من إلغاء الجلسة الليلية، فتأجل الاقتراع، ولمّا كان اليوم التالي هو يوم عيد الشكر، فقد أتاح تأجيل الاقتراع فرصة 48 ساعة أخرى للتأثير على الأعضاء. وبينما كان يجري استعراض يوم الشكر في مدينة نيويورك، كانت تعقد في مقر الأممالمتحدة أصخب الجلسات. وكما قال أحد زعماء الصهيونية من بعد، فإن «لم يبقَ دولة صغيرة أو بعيدة إلاّ اتصلنا بها، وتقرّبنا منها، ولم نترك شيئًا للفرص». ويضرب ليلينتال بعض الأمثلة على الكيفية التي تم من خلالها التلاعب بأصوات الدول الأعضاء: «كان الجنرال كارلوس روميلو قد أعلن أن الوفد الفليبيني تسلّم أخيرًا التعليمات من حكومته بالتصويت ضد التقسيم، وفي خطاب مؤثر إلى أبعد الحدود ضد قرار التقسيم دافع الجنرال بحرارة وانفعال عن حقوق شعب فلسطين الأصلية المقدسة في تقرير مستقبله السياسي والحفاظ على وحدة وطنه.. إننا لا نستطيع أن نصدق أن الأممالمتحدة تصادق على حل لمشكلة فلسطين يعيدنا إلى طريق المبادىء الخطرة القائمة على الاستئثار العنصري، وإلى الوثائق العتيقة للحكومات الاستبدادية. إن مشكلة اللاجئين الأوروبيين يمكن حلها من غير طريق إنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين». ويستطرد ليلينتال:»ولمضاعفة الذهول والحيرة، قال ممثل هايتي أنطونيو فيوفي الجمعية العمومية: إن مبدأ سيادة الدول، الذي هو وسيلة دفاع خاصة بيد الدول، يتعارض وتبني هذا المشروع، وأن هايتي، لذلك، ستصوت ضد التقسيم. ولكن هايتي، شأن الفليبين، أثبتت أنها لا تستعصي على النفوذ الأمريكي». ويؤكد الكاتب أن تغيير الفليبين لموقفها من قرار التقسيم لم يأتِ بلا ثمن، فقد كان الثمن تمرير 7 مشاريع حيوية كانت في ذلك الوقت في الكونجرس الأمريكي تنتظر المصادقة عليها، وهو ما لم يتم إلاّ بعد أن صوّت مندوب الفليبين إلى جانب قرار التقسيم. طرد إسرائيل من الأممالمتحدة لماذا؟ أصبح من الثابت أن إسرائيل لم تستجب لقرارات الجمعية العامة بخصوص تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره، ولم تستجب كذلك للقرارات الخاصة بتمكين الشعب الفلسطيني من العودة لأرضية المحتلة، سواء في العام 1948، أو في العام 1967، حيث كفلت الأممالمتحدة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ونصّت عليه في قرار الجمعية العامة رقم (194) المؤرخ في 11 ديسمبر 1948. ويترتب على تعهد إسرائيل بموجب بروتوكول لوزان الذي ترتب عليه قبول عضويتها في الأممالمتحدة في 12 مايو 1949، التزامًا دوليًّا بتنفيذ القرار (194)، والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين دون شروط، إلاّ أن إسرائيل رفضت تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، الأمر الذي يثير عدم مشروعية قبولها في الأممالمتحدة، باعتبار نشأتها مستندة على شرط فاسخ، وهو عودة اللاجئين، الأمر الذي يشكل التزامًا على الجمعية العامة بفصل إسرائيل من عضويتها وفقًا للمادة السادسة من الميثاق والتي تنص على ”إذا أمعن عضو من أعضاء الأممالمتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق، جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن. ولم يكن قرار العودة (194) القرار الوحيد الذي نص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإنما تلاه العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والتي من أهمها قرار مجلس الأمن رقم (237) الصادر في 14 يونيو 1967، والذي يدعو حكومة إسرائيل إلى تسهيل عودة السكان الذين هربوا منذ اندلاع الأعمال العدائية الناجمة عن حرب 1967 بين العرب وإسرائيل، وكذلك القرار رقم (242) الصادر في 24 نوفمبر 1967 الذي دعا لضرورة التوصل لتسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. فعدم تحقق الشرط الفاسخ يبطل قبول عضوية إسرائيل في الأممالمتحدة، الأمر الذي يرتب التزامًا على الجمعية العامة بتجميد عضوية إسرائيل، أو إنهاء عضويتها من الأممالمتحدة طالما استمرت في التنكر للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق تقرير المصير، ورفض تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وخاصة قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أعطت لإسرائيل شرعيتها بقبول عضويتها في الأممالمتحدة رغم عدوانها، واحتلالها للأراضي الفلسطينية، ورفضها تطبيق قرار التقسيم رقم (181) الصادر في 29 نوفمبر 1947 الذي استندت إليه كمبرر لإقامة دولتها، حيث نص إعلان الاستقلال الإسرائيلي في 15 مايو 1948 أنه ”بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 29 نوفمبر 1947، والذي اعترف بحق اليهود في إقامة دولة يهودية، نعلن قيام دولة يهودية في فلسطين “.