ترى الإعلامية والشاعرة مها السراج أن المثقفة اليوم تحمل رسالة على عاتقها هي أمانة لا بد أن تؤديها، كما ترى أيضًا أن المثقفة اليوم غير معزولة عن قضايا مجتمعها وأن المجتمع يحتاج كثيرًا إلى تطوير فكره والتخلّص من المعتقدات الموروثة وغير المنطقية والتي لا تتماشى مع ما يشهده العالم من تطور ونمو. وفي حوارها مع "الأربعاء"، تعترف منى بأنها في بداياتها لم تكن تمتلك الجرأة لاطلاع والدتها على أشعارها، وتؤكد أن للإعلام دورًا بارزًا في مسيرتها فقد أتاح لها المعرفة بلا حدود، وتقول بصراحة متناهية أنها لم تعتمد على أي نوع من المساندة وإنما اعتمدت على نفسها وأن كل نجاح سجلته في مشوارها وحياتها كان دافعه إيمانها بالله أولًا وأخيرًا..
معلمتي تنبأت بموهبتي * متى بدأ الحرف يشق عباب الصمت ليتدفّق وتنسجين منه إحساسًا؟ - بدأت الكتابة منذ سنوات المراهقة، وبعد أن كتبت لي معلمة اللغة العربية على موضوع التعبير الذي كتبته بأنني سأصبح يومًا شاعرة، وكنت أكتب خواطر متفرقة وقصص صغيرة وأطلعها عليها، ولم يكن لديّ الجرأة لأطلع والدتي عليها لأنها كانت في معظمها كتابات عاطفية، وتطورت موهبتي على مر السنين لأكشف في النهاية اللثام عن تجربتي المتواضعة. * من الأكثر قربًا لكِ.. الورقة والقلم.. أم الكتاب؟ - الكتاب كان دائمًا هو رفيقي وصديقي ولم أتعلّق بشيء في حياتي كلها كما تعلّقت بالقراءة، ولربما كان لوالدي الفضل في هذا، فقد كان يملك مكتبة كبيرة، وكان دائمًا يشجعنا على القراءة، بل كان يختار لنا ما نقرأه ليوصل لنا أفكارًا معينة، وبهذا كان يوجّهنا بطريقة غير مباشرة ويزرع فينا القيم والأخلاق وينمّي لدينا قدرات التخيّل والتي أجدها أهم قدرة نمت لديّ.. بالطبع إلى جانب القدرات الفكرية الأخرى. رحلة الحياة * رحلتكِ من أين ابتدأت.. وهل ترين أن لها حدودًا تقفين عندها؟ - أنا أرحل في الحياة في عدة اتجاهات، فالكتابة اتجاه، والعمل التلفزيوني اتجاه آخر، وكلاهما يتقاربان أو يتباعدان حسب المعطيات المطروحة.. الكتابة الجادة بدأت معي منذ ستة سنوات، وأقصد بالجادة بأنني بدأت بنشر ما أكتب وجعل الآخرين يقرأونني أو يستمعون لي، وهذا أيضًا ينطبق على عملي التلفزيوني فالانطلاقة كانت متزامنة ومتوازية.. وبعد أن انطلقت لا أجد أن هناك حدودًا ستقف في وجهي فرحلتي مازالت في بدايتها والطريق أمامي طويل وطموحاتي لا حدود لها. دور بارز للإعلام * هل للإعلام دور في ابراز الطاقات الإبداعية المميزة التي تسكن بعيدًا عن الضوء؟ - بالطبع للإعلام دور بارز فقد أتاح لي المعرفة بلا حدود.. كما أتاح لي التعرّف على مناخات لم تكن لتتاح لي معرفتها لولا دخولي المجال الاعلامي.. كما أنني تعرّفت على شخصيات رائعة ومجرد احتكاكي بهم أعتبره خبرة أكتسبها كل يوم، وأما أنه يبرز طاقاتي الإبداعية فهذا صحيح، إلا أنني أضيف أنه لولا أنها إبداعات صادقة وحقيقية وأصلية لما برزت حتى لو كنت أعمل في الإعلام. * هل الإعلام شريك أساسي ومهم في تفعيل الجانب الثقافي؟ - هذا أمر محتم.. فالإعلام يساهم كثيرًا في تحريك المشهد الثقافي إضافة إلى نشر الوعي بأهمية الجوانب الثقافية، ونحن نتحدث اليوم عن إعلام من نوع آخر، فالإعلام بصفته الجديدة يؤثر بطريقة جنونية على الفكر العام للمجتمعات وهذه مسؤولية أجدها في غاية الخطورة، فللإعلام دور بارز في التوجهات الثقافية كما أنه يعكس صورة للآخرين عن ثقافاتنا وحضارتنا وفكرنا. * على وقع الألم كثيرًا ما اشتعلت قناديل الحرف.. فهل كان الألم دافعًا لتغريدكِ؟ - الإبداع يصنعه وجداننا الذي يغامر في الحياة ويخضع للخطط القدرية، وبالطبع نحن نخضع لكل ما يلقيه علينا القدر من سعادة وألم، وكلها مشاعر تترجمها إبداعاتنا الفكرية ومهاراتنا اللغوية.. ليس الألم وحده الدافع ولكنها معادلة يجتمع فيها الألم والسعادة والتأمل. طائر خارج السرب * ما الهاجس الذي يشغلكِ؟ - هاجسي هو النجاح ويعذّبني كثيرًا التوق للمثالية والاتقان، فأنا أجد نفسي في بعض الأوقات كطائر يغرّد خارج السرب. * متى يغرقكِ الحرف وتنساقين خلف انسيابه؟ - لا أدري.. فلا وقت لهطول الكلمات.. تأتي أو لا تأتي.. مزاجية تلك الملهمة فحين أستدعيها لا تأتي وإنما تختار أوقاتها.. فتأتي وقتما يحلو لها.. المثقفة غير معزولة * أين تقف المثقفة حاليًا؟ - في الوقت الحالي تقف المثقفة أمام صراعات ومتناقضات يعج بها مجتمعنا وهي تحاول أن تصنع كل شيء معًا.. التغيير والتوجيه والاصلاح والبناء، والمثقفة اليوم غير معزولة عن قضايا مجتمعها، فهي تخضع لقوانين تكون في معظمها مجحفة في حقها، وتجد أن المجتمع يحتاج كثيرًا إلى تطوير فكره والتخلّص من المعتقدات الموروثة وغير المنطقية والتي لا تتماشى مع ما يشهده العالم من تطور ونمو.. إن المثقفة اليوم تحمل رسالة على عاتقها وهي أمانة لا بد أن تؤديها وإلا فما فائدة العلم إن لم نخدم به مجتمعاتنا. أحلم بالحلم * ما الحلم الذي يتسربل في أفياء مساحاتكِ؟ - أحلم بأن أجد الوقت للحلم.. في أيام أجد نفسي أحتاج إلى ساعات إضافية لأنهي أعمالي، ولكنني في المجمل أحلم بعالم أفضل وإنسان أكثر نقاء ومجتمع أكثر حيادية وإنصاف ومنطقية. "وترحل الصغيرة" * ما أول نسيج حبر جمعته لكِ المطابع؟ - "وترحل الصغيرة" أول مجموعة صدرت لي وكانت تحمل حلم الأمس البعيد ورحلة الحلم القادم وكان ذلك في العام 2007 م وقد شاركت بها في معرض الشارقة الدولي للكتاب في نفس العام. اعتمدت على نفسي * من ساندكِ ليعانق الضياء مداكِ ويتوهّج عزفكِ وحرفكِ؟ - لم يكن هناك أي نوع من المساندة فأنا اعتمدت على نفسي كثيرًا وعملت جاهدة لأصنع من نفسي ما أنا عليه اليوم.. كل نجاح أسجله باسمي لأنني وحدي وبإيماني بالله وبرعايته لي تمكّنت من أن أبلغ بعضًا من طموحاتي.. لم يبخل عليّ ربي بأي شيء فوضع أمامي الفرص وفتح لي الأبواب وكل ما كان عليّ هو أن أنمّي قدراتي وأسعى نحو طموحي وأحمد الله على ما أنعمه علي. * كيف صنعت مها الشاعرة ومها الأدبية والكاتبة ومها الإعلامية؟ - لم أصنع شيئًا.. هي أمور تكون أو لا تكون.. إن لم يكن في داخلي الإنسانة المفكرة، وإن لم تكن أدواتي مصنوعة باحتراف، لما تمكّنت من أنا أجمع كل تلك الأمور.. هناك شيء أحمله في رأسي ووجداني وما فعلته فقط هو أنني عملت عليه كثيرًا فصقلته وهذّبته وطوّرته وكانت عملية نماء متتابعة ولا تتوقف. يجذبني كيف ولماذا * في ميادين الحياة ما الذي يجذبكِ أكثر ويحوز على اهتمام مها السراج؟ - يجذبني كثيرًا كيف ولماذا.. أيًا كان الموضوع، فكل شيء عندي يخضع للأسئلة والبحث، مغامرة أنا من الدرجة الأولى ويدفعني في ذلك ثقتي بقدراتي ويعنيني كثيرا الشأن الإنساني.. والمرأة والطفل وكل المستضعفين في الأرض، وأبحث دائمًا عن مفهوم العدالة لدى الانسان وكيف يتعامل معها.. إنه الهم الإنساني الذي يستولي على فكري. مثقف يستحق الاحتفاء * من وجهة نظركِ من المثقف الذي يستحق الاحتفاء به في الإعلام المقروء والمسموع؟ - هو المجتهد الصادق الشفاف المحترف.. هو العصامي الذي صنع نفسه.. وهو المتواضع بأدب.. والمتعلم بعمق.. والمنتمي بصدق.. ومن يحمل رسالة ويؤديها بصمت.. من يتعامل مع أدواته وفكره باحترافية عالية.. من يحترم المتلقي بدرجة كافية بحيث يمنحه فكره بإتقان وتفان. زوارق الأمل * زورق الأمل إلى أين يحملكِ؟ - إلى عالم أفضل ومجتمع أكثر صدقًا وشفافية. * أين تجدين الإبداع النسائي حاليًا وكيف تقيّمينه؟ - أجد المرأة في بلادي متفوقة للغاية.. إبداعها متميز جدًا وهي تمثّلنا بطريقة رائعة. * حين تتكامل الكلمة واللوحة في اطار واحد ماذا يشكّلان؟ - يشكّلان الحياة بكل ألوانها وحكاياتها.. فالكلمة تتلوّن وترسم، واللوحة تكتب شعرًا، وكلاهما يعكسان حكايات من عوالم مبهمة وعوالم تسكن الزمن.. إنها حكاية الإنسان الذي رسم على جدران الكهوف قصته الأولى فكانت كلها أحرف مرسومة.. محكية. "الوقت منتصف البرد" * ماذا يمثّل لكِ "الوقت منتصف البرد"؟ - كل الأوقات موسمها شتاء إلا أننا ندفئ تلك الأوقات بهواجسنا وتوقنا ودهشتنا.. ولكن بعض الأوقات تكون غير قابلة للدفء.. فتبقى عالقة في وسط البرد.. قصائد سكنت أوقاتًا لا تنتمي لموسم ما.. هي تحكي عن زمنها المتجمّد.. تتأمل وتحلم.. تفكّر وتعاني.. تحكي عن عوالم أخرى تسكن الذاكرة.. فمشهد ما قد يتجمّد في لحظة التقاط الصورة.. هو مشهد يحكي ككل شيء حولنا ومعنا.. حتى الموت مشهد محكي.. هو الإنسان يصعد لأعلى فلا يجد نفسه فيهبط لأسفل ليبقى أسير معاناة.. هي الرحلة المتوقفة في موسم بارد يحلم بالدفء. سجادة الصلاة * دمعة هاربة في لحظة ألم معتمة إلى أين ترسو بمراكبكِ؟ - ترسو عند سجادة الصلاة لأرفع يدي إلى خالقي كي يهبني ذلك السلام النفسي والروحي.. ليتجدّد الأمل فأمسح دمعتي وأرفع مرساتي وأغيّر اتجاه المركب وأواصل سفري.