في الحياة نماذج يقتدى بهم، ويحتذى بأفعالهم، ويتعلم الآخرون من فشلهم ونجاحهم، وسقوطهم وقيامهم، وإنجازهم وتراجعهم، ومن لم يستفد من دروس الحياة، فلن يصل أبداً إلى غاية، ولن يعرف في حياته البداية من النهاية. تلك البلاد تعتد كثيراً بعراقتها وتاريخها وموقعها، وهي وإن كانت فقيرة في الموارد الطبيعية إلى حد العدم، فإنها غنية في الموارد البشرية إلى حد التخمة، لأنها استثمرت في بناء الإنسان فتحقق لها بذلك مركز صدارة لا يتحقق إلا بالرجال. أمة لا تنتحب للمصائب، ولا تنخدع بالإنجازات، ولا تغنّي للأشخاص، بل تحاسبهم وتراقبهم وتجعل منهم عاملين يتقنون، لأن هناك من يسأل ويتابع ويحاسب، وفي الوقت نفسه، يجد كل فرد أن عليه أن يضيف قيمة إلى مجتمعه، وإن أخطأ أحد المسؤولين حاسب نفسه بنفسه لأن حياته المهنية لم يعد لها وجود، وبالتالي هو أيضاً. ليست هناك أمة بلغت درجة الكمال، وليس هناك شخص اليوم هو وحده النموذج، لكن المجتمع الياباني يعمل على صياغة أمة متميزة، يحقق مجموع تميز كل فرد فيها أمة ذات مواصفات خاصة، لأن العمل مقدس، والسمعة لها وزنها وتأثيرها، والشفافية ليست بالكلمات، بل بالمواقف والإنجازات. كارثة تسونامي، والمفاعل النووي، ثم الأعاصير المتتالية، تجعلك تشاهد أناساً يعملون ولا يتوقفون، يعيشون حياة طبيعية ولا ينتحبون، ويواصلون إعادة البناء على نحو متواصل، من غير مباخر ولا سجادات حمراء، ولا حفلات تشغل الناس بالإعداد لها ومتابعتها أكثر من العمل الذي يحتفلون بإنجازه، إن كان هناك إنجاز، بينما هم هناك ينطلقون من إنجاز إلى إنجاز فيما يشبه الصمت. [email protected]