تبتكر بعض المجتمعات أنماط سلوكيات سلبية للأسف وهي حتماً مُخرج لثقافة سائدة في بيئتها جراء تدني مستوى الوعي الفردي والجمعي على حدٍ سواء ، الأمر الذي يجعلها مع الوقت عادة تتعاطاها ببذخ فاضح وكأنها جزء لا يتجزأ من موروثها الثقافي. هذه السلوكيات تُشكِّل في نهاية المطاف ثقافة مُجتمعية يمكن أن نُطلق عليها مسمى ثقافة الوقت الضائع ، فالمُتتبع للكثير من الممارسات يجد أنها ماركة مُسجلة لمنهجيتنا في التعاطي مع الأحداث ، ففي الوقت الذي تهتم الأمم الأخرى بالزمن كمُتغيِّر مهم في دفع عجلة التقدم ، نجد أنفسنا في موقع متأخر من هذا الفهم الإيجابي في تغييب مُخل لمفهوم إداري هو إدارة الوقت. لن أُمارس جلد الذات كثيراً بدون شواهد إثبات تؤيد ما ذهبت إليه ؛ لتعرية هذه السلوكيات وكشف خواء العقل من أبجديات التفكير السليم في كيفية مُعالجة هذه الأنماط المُخلة ومنها: · الطائف :هذه المدينة الحالمة يُمارس ضدها ومن أمانتها عقوق سنوي متى ما لاحت بوادر الصيف ، فالمشاريع شبه مُعطلة طوال العام ، ومع توافد السُيِّاح تُشمِّر الأمانة عن ساعديها للبدء في تنفيذ مشاريعها ، فتتعقد الحركة وتنشل الشوارع الرئيسة وكله بحُجة تأخر ترسية المشاريع ، وكأن الجهات المعنية بترسية المشاريع لا تعي مكانة الطائف كوجهة سياحية للمصطافين داخلياً وخارجياً. · المشاريع :تُسلم للشركات وفق آلية المناقصات ، وتلتف عليها وفق آفة عقود الباطن ، وتخلد للنوم العميق حتى يحين موعد التسليم ، وتنتفض وتُغلق الطرقات وتُقسِّم اتجاهاتها ، وكل ذلك على حساب المواطن المذهول من الاستهتار بمصالحه، والمُضحك اللوحات التسويقية مثل نأسف لإزعاجكم، والوقت المُتبقي من التنفيذ. · الطلاب :طوال العام الدراسي يغدون ويروحون إلى مدارسهم وهم في أدنى درجات دافعيتهم الذاتية يساندهم في ذلك إهمال الأسر ، وما إن تدنو مواعيد الاختبارات النهائية إلا وتلاحظ الاستنفار غير المسبوق في المنازل والمكتبات والدروس الخصوصية ، ناهيك عن شيوع المُلخصات التي تختصر المقرر في كبسولة سهلة البلع ومن ثم الهضم. · السفر :من بداية العام والشخص مُخطط أنه سيقضي إجازته خارج الوطن ، ولكن متى يبدأ في إجراءات السفر ؟ قبل أيام قليلة من موعد السفر تجده يتخبط في مكاتب الخطوط بحثاً عن حجز ، هذا إذا ما اكتشف أن تاريخ صلاحية جواز سفره قد انتهت. · التعاميم :وسيلة اتصال بين الجهات التي يجمعها مجال مُعيِّن ، يصل التعميم يوم الأربعاء وآخر موعد لوصول المطلوب منه يوم السبت التالي له ، وإلا الويل والثبور للمتكاسلين. · المباريات :تجد اللاعبين طوال المباراة يمارسون هدوءاً غير مُبرر ، وما إن تُشير ساعة الملعب إلى دقائقها الأخيرة إلا وكأن أمراً مُدلهماً حدث لهم ، ويسعون بما خزنوه من طاقة طوال المباراة إلى تحسين النتيجة مُستخدمين الوسائل الأخلاقية وضدها في تحقيق ذلك. هذه الأنماط السلوكية تحتاج وقفة متأنية لمعالجتها ؛ لأن التمادي في ممارستها يعني أننا نُرسخ في الذهنية المُجتمعية استمرارية الاستهتار بالوقت ، ونشوء ثقافة أداء العمل في حده الأدنى ، وكلا الأمرين عواقبهما وخيمة. [email protected]