نقرأ ونسمع عن جرائم غريبة عن الفطرة السوية في أي مكان في العالم، وليس في بلاد الحرمين الشريفين فحسب: مهبط الوحي الكريم ومأرز الإيمان. التغيرات تتسارع وتتنوع وتأخذ مسارات تناسب ما يستجد كل يوم من منابع للتغيير السلبي والإيجابي، والثوابت التي تحمي الناس من آثار هذه التغييرات وتوابعها لم تعد في نفوس وقلوب وعقول كثيرين بنقائها وصفائها وجمالها. الإسلام دين الفطرة، يخاطبها ويوجهها حين تكون الفطرة نقية، أما وقد سيطر عليها الإرهاب وسوابقه ولواحقه، والفنّ ما هبط منه وما شذّ، وتقنية التواصل الاجتماعي التي حلّت في كثير من الأحيان محلّ التواصل الأسري والتأمل الوجداني والانفصام بين ما يقول البعض وما يفعلون وغير ذلك، فإن تأثير هذه الثوابت ما عاد بتلك القوة. ليس هذا فحسب، بل إن انتشار الفساد الاقتصادي والسياسي إقليمياً وعالمياً، والتخاذل في القيام على أداء المسؤوليات صغيرة أم كبيرة أفرز إحباطات لا يهمها كثيراً ما يجري، وأصبحت «لا شأن لي» هي العبارة المحببة أو الاعتذارية للكثيرين. المسلمون لهم صلاة الفجر في المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، لكنها تبحث عن أكثرهم فلا تراهم، وفي الحديث «من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله» والتخلف عنها نذير سوء وفاتحة غير موفقة ليوم يحتاج فيه صاحبه إلى ما يستعين به على القيام بمسؤولياته، وإلى النصح لمن حوله، أو عدم التأثر بهم في الحد الأدنى. هذه الجرائم المقززة هي تعبير عن ضمير هذا العصر بكل ما فيه من تناقضات، وإهمال مسؤوليات، ونفاق مركب، وعجز عن الصلاح وعن الإصلاح، وهروب من واقع مؤلم إلى عالم افتراضي يختاره المرء لنفسه، وقد يكون هلاكه في عالمه الافتراضي هذا. «مراكز البحوث» في الجامعات وغير الجامعات مسؤولة عن خطوات لإعادة الوعي إلى كثيرين، وفي تعاونها مع إدارات السجون والمحاكم بكل أصنافها، ومؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات أخرى كالتعليم والصحة النفسية، ما يجعل المشكلة أكثر تحديداً وأقرب توصيفاً وأيسر في التناول والتداول حتى لا تغرقنا متغيرات لا نملك أمامها غير الصمت والذهول. كثيراً ما تكشف بعض وسائل الإعلام غير الرسمية وخاصة المواقع الإلكترونية المقروءة والمشاهدة ما يبين للناس ما يقع من جرائم، وفي ذلك من التوعية والتحذير ما فيه، لكنه ليس بكافٍ ما لم يتحول إلى منهج إعلامي راقٍ، يخرج الناس إلى فضاء العلم بواقعهم والتعامل معه بشكل أقوى وأنقى. [email protected]