تعرضنا في مقدمة التفصيل المنطقي عن الخلاف عن قيادة المرأة للسيارة إلى مقولة الخصوصية كيف تُضبط وهل يُحتج بها وما الذي يُقصد بالتدين السعودي وبقي أن نُجيب على طرح وجود الحرمين الشريفين كاحتجاج شرعي يُغيّر مسار الأحكام بحسب اعتقاد البعض، وبلا شك أن وجودنا في دولة واحدة تضم أقدس بقعتين ومنار مكاني للرسالة الإسلامية محل تشريف لكن هل هو محل تشريع استثنائي في غير أحكام المدينتين المقدستين هذا لا يُسلّم وربط الدولة في تعريف نفسها بالحرمين الشريفين هو من باب التشريف بمهمة التكليف كدولة ضمت إقليم الحجاز ولذلك اُعتبر الملك عبد العزيز رحمه الله موحّدا ومؤسّسا معاً. أي أن ضمن بلاده بلاد الحرمين الشريفين وهذه البلاد هي الحجاز كما هو في التعريف الشرعي لبعض الأحكام ذات العلاقة، وما قصدتُه أن الاحساء بلدي على سبيل المثال تتشرف بوحدتها مع الحجازعن طريق الدولة ولها مكانتها وتاريخها لكن ليست هي الحجاز إقليم الحرمين الشريفين وكذلك نجد وحائل وهكذا، ولكن الواجب احترام وتقدير أهل الحجاز ومدارسهم ومعاهدهم وشخصياتهم وإكرامهم وليس استخدام مسمّى التعميم للحرمين الشريفين للإساءة لهم أو الاحتجاج بتغيير حكم شرعي أو عرف مجتمعي بناء على دعوى أي شخص كاتب أو غيره وهو يسيء لأهل الحجاز ويحتج عليهم بأنه من بلد الحرمين الشريفين وهو خارج الحجاز فقط للاستعلاء عليهم ونبذ أقوالهم والتحريض عليهم هذا لا يستقيم كمبدأ، وإجمالاً يجب أن تفكّك هذه الدعوى حين تُستخدم للاستدلال الشرعي الاستثنائي في غير الأحكام ذات العلاقة بالمدينتين المقدستين. والحادثة الأخيرة للأخت منال الشريف المقيمة لدينا في الظهران إحدى حواضر الأحساء الشمالية وهي من أشراف الحجاز وآل بيت النبوة الكريم سنتناولها في ثلاث مسارات لنفهم الوضع كما يجب شرعيا ووطنياً للإنصاف والعدل. المسار الأول التفريق بين مطالبات الأخوات والشخصيات الاجتماعية والوطنية للحق الطبيعي لقيادة المرأة للسيارة كمطالبات فردية أو جماعية وبين فكرة الخروج الجماعي المدعو لها من بعض الأخوات في احتجاج جماعي محدد بتاريخ في تموز الجاري فهذه الدعوة الجماعية التي أحترم شخصياتها أرى عدم مناسبتها وأنها قد تُعقّد الأمور وهناك أولويات وطنية سياسية واقتصادية وحقوقية أولى بالاهتمام والنقاش والعمل من توتير المجتمع باحتجاج جماعي لقيادة المرأة للسيارة، وما جرى من سياقة فردية كان منفصلاً عن هذه الدعوة وقد تحدثت الأخوات عن أن هذه ضمن ممارسة طبيعية للفت النظر للحاجات الضرورية للمرأة السعودية لقيادة السيارة وهكذا يجب أن يُنظر لها ولا يُحرّض عليهن، وأتمنى من باقي الأخوات إلغاء التاريخ الجماعي كما أنني أتمنى من النخبة الثقافية والمؤسسات الرسمية عدم الاندفاع في مواجهة هذا المشهد أو تصعيد الأمور. ولعلنا هنا نشير إلى المعالجة الأولى لامارة الشرقية للموضوع حيث اُخذ تعهد على الشريفة منال الشريف ذات الخطاب الوطني الحريص على الإسلام وأحكامه كما بينت ذلك في بيانها ثم أُطلقت، ولم يُفهم حتى الآن ما جرى بعد ذلك من بعض الجهات التي صعّدت وتم اعتقال الأخت منال مرة أخرى والتضخيم على تصرف فردي بسيط أكثر ما يقال فيه مخالفة مرورية عموما عادت إمارة الشرقية لتسوية الوضع وأُطلقت منال التي لم يوجد أي مبرر لاعتقالها الثاني بعد أن أُوقفت وتعهدت. أما المسار الثاني فهو موقف جملة من أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة حيث قرأت شبه إجماع لقطاع واسع أن أصل قيادة المرأة هو الحِل وان قول بعضهم أو غالبهم للمنع هو لتقدير الحالة الإدارية والمجتمعية وليس حُكماً بل فتوى تقديرية ولا يعني ذلك إدانة الملايين من المسلمات خارج المملكة اللاتي يقدن السيارات ومنها دول الخليج العربي، فيما أكّد العديد من الشخصيات الإسلامية والشرعية قناعتهم بجواز الأمر وأنه ينبغي أن يُنظم الأمر مرورياً وتُعطى التراخيص بناء عليه، وهذا الطرح الشرعي الواسع المختلف في التفصيل ينبغي أن يُحترم ويُقدّر ويحاور، وأن لا يُستدرج المجتمع لأصوات المتشددين أو ما يقابله من العنف الاتهامي من بعض المثقفين وان كانت مسؤولية الطرف الأول (المتشددين) بدعوى وعيهم الشرعي فيعممون ويفسّقون أكبر لأنهم ينسبون صراعهم الشخصي أو نقصهم العلمي للدين وهم تحت ضغط الصراع الفكري ومصالحهم التنافسية. هنا نصل للمسار الثالث الأخير وهو ضرورة حسم هذا الملف بانتداب شخصيات شرعية ووطنية قديرة تدرس الوضع وتوصي بالإعداد الفوري لتمكين المرأة من حقها الاحتياجي وبالإمكان أن تُقسّم القضية ما دام أنّ هناك مخاوف على سبيل المثال من الطرق الطويلة فتُصدر لوائح قبل نهاية هذا العام بمنح أعمار محددة بعد الثلاثين وخاصة ذوي الظروف رخص قيادة السيارة في داخل الحواضر المدنية أو الهِجر لأبناء البادية المحتاجين للتنقل وتٌحظر القيادة في خارج الحواضر ثم ينظر في الأمور الأخرى، أما سد الأبواب بحجج تقديرية لم يرد فيها النص في سلسلة ماذا لو..؟ لتبرير موقف الرافضين كانتصار فكري على خصومهم فهي أجواء مؤسفة ولغة حين تَفرض روحها على المجتمع عبر القهر والطعن في أعراض الناس.. فهي مؤشر على أن ثقافة الأزمة هي من يُدير المجتمع لا ثقافة العدل الشرعي والوطني. [email protected]