نفايات ومخلفات متراكمة هنا وهناك.. أوساخ ومصادر عديدة للأوبئة في مختلف الشوارع خاصة في الأحياء الشعبية.. هذه بعض الملامح التي تشوه صورة مدينة عرفت خلال السنوات الماضية ب “عروس البحر الأحمر”. وكما يقول المثل (إذا عرف السبب بطل العجب)، فمن يتجول في شوارع العديد من أحياء جدة يقف على واقع النظافة المتردي فيما انشغل عمال شركة النظافة عن دورهم ووظيفتهم الأساسية التي جاءوا من أجلها، واتجهوا إلى جمع الكراتين والأدوات البلاستيكية والعلب الفارغة لبيعها على أصحاب المستودعات، متعللين بضعف رواتبهم. يحدث ذلك في ظل غياب رقابة الأمانة والشركة المشغلة لهم.. هذه الحقيقة لم أسمعها من آخرين، بل شاهدتها بأم عيني، حيث رأيت أحد عمال النظافة وهو يحمل مجموعة من الكراتين فتتبعته حتى وصل إلى أحد الأحواش الواقعة في حي الجامعة “ك6”.. عنها انتابني فضول غير عادي، وتداخلت الأسئلة (ماذا يدور داخل هذه الأحواش؟ ما الذي يجعل عمال النظافة عددا من الأطفال الوافدين ينشغلون بجمع هذه الكراتين؟ كم يا ترى يكون العائد المادي؟ وهل هنالك رقابة من الجهات المعنية والمختصة على هذه الأحواش التي تجمع بها الكراتين والأدوات البلاستيكية والسكراب مجهولة المصدر؟). كل هذه الأسئلة جعلتني أتقمص دور وافد يعمل في بيع الكراتين وارتديت زيا مشابها لهم حتى أتمكن من الدخول إلى أحد هذه الاحواش في محاولة لإيجاد إجابات لهذه الأسئلة. داخل أحد الأحواش البداية كانت عندما قررت أنا وزميلي المصور تعقب هؤلاء العمال وإغرائهم بالشراء منهم لبيعها على أصحاب الاحواش ومعرفة ما يدور داخلها، على أن يتولى المصور قيادة السيارة والسير خلفي والتقاط الصور حتى نجد طريقة مناسبة للدخول إلى أحد هذه الاحواش والتقاط صور لها من الداخل.. وبالفعل كانت البداية عندما دخلت في أحد الأزقة لأجد عامل نظافة مشغولا بإيصال الكراتين إلى عميله، عرضت عليه شراء الكراتين منه ولكنه رفض، فسرت معه حتى وصلنا إلى أحد الاحواش التي يصعب على المصور التقاط أي صورة لها لوقوعها في زقاق ضيق، وعندما طرق العامل الباب تساءل من بالداخل عن الطارق، فناداه باسمه فتم فتح الباب.. بادرت بسؤال عامل الحوش “هل تشتري كراتين؟، فأجاب: نعم.. قلت له: بكم؟، فقال: “الكيلو ب 65 هللة”، سألته ثانية: وهل يمكن أن تبيعني كراتين؟، فأجاب: لا، لأننا متعاقدون مع شركة تشتريها منا”. تجولت داخل الحوش الذي تديره مجموعة من العمالة الوافدة من الجاليتين الآسيوية والإفريقية، وقد اكتظ بكراتين وخردوات وصناديق بريدية وأسلاك كهربائية، أكاد أجزم بأن الكثير منها مجهول المصدر. أطفال وكراتين بعد ذلك غيرنا أنا وزميلي المصور الاتجاه حتى وجدنا مجموعة من الأطفال متجهين إلى أحد الاحواش التي يشتري أصحابها الكراتين والخردوات، اتفقنا معهم على شرائها منهم مقابل عشرة ريالات، فرافقونا إلى الحوش وعندما وصلنا خرج إلينا أحد العمال من نفس جنسية الأطفال، عرضت عليه الكراتين، وما أن علم بأنني اشتريتها من الأطفال رفض شراءها، وطلب مني إعادتها لهم بحجة أن المبلغ الذي دفعته لهم لا يتناسب مع السعر الذي يشتري به منهم وهو 50 هللة للكيلو. انشغل العامل مع الأطفال في وضع الكراتين على الميزان، فاستغل زميلي المصور الفرصة وبدأ في التقاط عدد من الصور لعملية شراء الكراتين من عمال النظافة والأطفال. ضعف الرواتب أحد عمال النظافة الذين انشغلوا ببيع الكراتين عن أداء مهامه الأساسية، أوضح أن مرتبهم لا يتجاوز 350 ريالا، وبالتالي فهم يعملون في جمع الكراتين وبيعها للحصول على مبالغ تمكنهم من التحويل إلى ذويهم في بلادهم. وأشار إلى أن السكن تتكفل به الشركة التي يتبعون لها. عامل آخر قال إن راتبه 300 ريال يرسلها بالكامل إلى أهله في بلده، ويبيع الكراتين من أجل توفير مصاريفه اليومية من أكل وشرب. غياب الرقابة وفي المقابل يشكو المواطنون المجاورون لهذه الأحواش مما تسببه من مشاكل عديدة لهم من خلال الكميات الهائلة من الكراتين والخردوات وغيرهما المكدسة داخلها، فضلا عن الإهمال الواضح في خدمات النظافة نظرا لانشغال العمال بهذه المهمة. صالح محمد يقول: أغلب عمال النظافة داخل الحي انشغلوا عن عملهم الأساس بجمع الكراتين وبيعها، وذلك في ظل غياب الرقابة من قبل الأمانة. أحواش داخل أحياء وأشار عبدالمجيد الصمداني إلى أن الحي فيه الكثير من الاحواش التي تحولت إلى مستودعات لجمع الكراتين، وهو ما يسبب الكثير من المشاكل، لذلك يجب ان تكون هناك رقابة مشددة على هذه الأحواش وعلى عمال النظافة الذين انشغلوا عن عملهم الذين تم التعاقد معهم من أجله.