يبدو ان ثقافة الحوار لدينا ومناقشة القضايا والنوازل ومستجدات العصر لازالت تراوح مكانها القديم، ولا زال الرأي الأحادي يحاول فرض وجوده على حساب آراء المعارضين، وتلك ثقافة لها جذورها البعيدة التي ظلت تغذي أفكار وأطروحات بعض شرائح مجتمعنا العربي، والملاحظ انها أصبحت منبوذة ولم تعد تجد لها بيئة تناسبها في اغلب مجتمعات العالم المتحضر، لذلك قررت هجر ذلك العالم لتحط رحالها في عالم يناسبها وتناسبه، فعلى المستوى العربي سجل التاريخ لغطا وهرجا ومرجا واكب ظهور الطابعة، ووصل لمنعها وتحريم استخدامها، لحين تأكد المعارضون انها آلة بسيطة عارية من كل المخاوف والتهم التي نالتها، أما على المستوى المحلى فلدينا سلسلة لا بأس بها من الأحداث التي احتدم حولها الجدال، واختلفت في شأنها الآراء، خاصة فيما يتعلق بالتقنية الحديثة، فالتلفاز على سبيل المثال لا الحصر، كان هناك من يعتبره شرا مطلقا سوف يأتي بالفساد وانحلال الأخلاق، لكن بعد أن تبددت تلك الصور الخيالية المستوحاة من توقعات تعتبر الجديد، وتغيير نمط الحياة مرفوضا وغير مقبول، أصبح هؤلاء يتسابقون للقنوات الفضائية ليطلوا من خلالها على الناس، حدث هذا بعد ما تبين أن التلفاز مجرد جهاز يتحكم به الإنسان كيفما أراد، فقد يكون وسيلة صلاح وخير وقد يكون غير ذلك، ما أود توضيحه فإن الإنسان عدو ما يجهل، وان الحوار الهادئ، والمناقشة الحقيقية، وسماع الآخر واحترام وجهة نظره، كلها وسائل تؤدي لفهم وإدراك القضية التي يدور حولها الخلاف، وبالتالي وصول الجميع لحل وسط يرضي الجميع، وأما التعنت وممارسة حوار الطرشان وتبادل التهم، فإنه نهج سيء يؤزم القضايا، ويجعل المجتمع الواحد ينقسم أفراده قسمين كل منهما يسير عكس الآخر، وتبقى القضية معلقة، لأن الحوار تحول إلى شجار. ومع ان مجتمعنا السعودي خاض عددا من التجارب على مر العقود السابقة، إلا انها لم توصله لدرجة النضج الكافي بعد، وما عودة قضية قيادة المرأة للسيارة وظهورها على السطح تارة أخرى، وطريقة التعاطي معها من قبل المؤيدين والمعارضين، إلا دليل واضح نعيش وقائعه هذه الأيام على ان ثقافة الحوار البناء الهادف الموصل لحل نازلة، ليست بحالة صحية جيدة، تمكن أطراف الخلاف من الاجتماع على طاولة واحدة، وطرح القضية بكل أبعادها، منطلقين من المفاسد والمحاسن، فإن رجحت كفة الميزان نحو الايجابيات، فعلى جميع الأطراف ان ترضخ للأمر الواقع، ولا تتخذ سبيل التعنت والإقصاء، ورفع الصوت، والتمسك بالرأي الأحادي منهجا وأسلوبا لفرض ما تراه على الطرف الآخر، والحقيقة ان كثيرا من النقاشات التي تطالعنا بها الفضائيات هي من أجل النقاش فقط، لا من أجل توحيد الآراء حول ما يطرح، إذ ان كل شخص من الطرفين يأتي حاملا معه تاريخا زاخرا من خلافات ماضية، وكأنه يريد التشفي وأخذ الثأر، ولا يهمه أُناسا سوف يتأثرون سلبا أو إيجابا بما يشاهدون، ولا شك ان قضية قيادة المرأة للسيارة لا تستحق الزخم الإعلامي الكبير الذي يدور حولها، ولو شاهدنا المؤيد والمعارض على طاولة حوار هادئة لما كان ما كان، لكن يبدو ان قضايا المرأة يسود الحديث حولها تشنج وتوتر وصراخ، والمحصلة النهائية تحرك خطوة إلى الأمام تعقبها أخرى إلى الخلف، لأن طرفي الخلاف لم يتفقا على اتجاه واحد، وتظل القضية بانتظار فصل آخر من فصول الخلاف.