كان المغفور له وزير العمل السابق غازي القصيبي يدرك أن مكافحة البطالة ليس فقط عبر إنشاء مؤسسات جديدة، أو تقديم تسهيلات مصرفية للراغبين بالحصول على قروض استثمارية، أو عبر زيادة حجم المساعدات الحكومية، بل هناك أيضاً طريقان لا بد من سلوكهما للحد من حجم البطالة ومن أعبائها الاقتصادية والاجتماعية. وهذان الطريقان هما: - أن يقبل الشباب السعودي بالعمل في وظائف يظنون دائماً أنها وجدت للوافدين فقط. ولهذا شاهدناه -رحمه الله- يخدم في أحد مطاعم الوجبات السريعة دون خجل أو استحياء. - أن تباشر المؤسسات الرسمية والخاصة بسعودة الوظائف التي يستطيع الشاب السعودي أن يقوم بها مع ما يستدعي ذلك من مؤهلات وخبرات وحسن إدارة لطالما أن نسبة كبيرة من السعوديين باتت مختصة في سائر المجالات. ويبدو أنه لأسباب متعددة لم يتم تطبيق مشروع السعودة بشكل دقيق إلى أن أعاد الأسبوع الماضي وزير العمل المهندس عادل فقيه إحياءه عبر اتخاذ قرار بعدم تجديد رخصة العمل للوافدين الذين أمضوا في السعودية 6 سنوات وما فوق. والسبب في اللجوء إلى مثل هذا القرار اليوم هو مواكبة الخطة الإستراتيجية التي وضع خطوطها العريضة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أثناء عودته من رحلة الاستشفاء حيث أقرّ يحفظه الله جملة من القرارات لإعطاء دفعة كبيرة لأغلب القطاعات سواء منها الاقتصادية أو العسكرية أو الطبية أو التربوية أو الاجتماعية. والسبب الآخر هو إتاحة الفرص اللازمة أمام السعوديين من أجل إيجاد عمل هم أولى للقيام به من الوافدين خاصة وأن نسبة البطالة في المملكة وصلت اليوم الى نحو 10.5 في المائة من مجمل القوى العاملة. إضافة إلى أن التحويلات الخارجية للعمالة الوافدة قد وصلت الى 100 مليار ريال سعودي سنوياً أي ما يعادل 26.5 مليار دولار.. وظني أن السعودية أولى بأن تبقى هذه الأموال في دائرتها الداخلية لما لذلك من انعكاس إيجابي على الاقتصاد برمته. ولم يلجأ وزير العمل إلى هذا الإجراء إلا بعد دراسة علمية بينت أن 90 في المائة من العاملين في القطاع الخاص غير سعوديين، وأن البطالة تمسّ الإناث بنسبة 28 في المائة، وتمسّ 40 في المائة من خريجي الثانوية العامة. والسعودة هنا لا تعني التخلّي عن خدمات خبراء وأصحاب تجارب عريقة من الوافدين لأن المملكة بحاجة إليهم في مجالات عملهم أسوة بما تفعله كل الدول حتى المتقدمة منها صناعياً، بل البدء بالتخلّي تدريجياً عمّن من السهولة بمكان إبداله بمواطن سعودي قادر على الحلول مكانه دون أن يترك أي فراغ ، ودون أن يؤثر ذلك على عجلة الاقتصاد وحركتها. وتكمن أهمية القرار هنا أيضاً في أنها منحت العامل الوافد متسعاً من الوقت لكي يعمل ويدخر ويفتش عن البديل في مكان آخر أو في بلده الأم.. وهذا التصرف الإنساني غير موجود في قواميس الكثير من الدول وتحديداً أغلب الدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان مع أن ممارساتها عكس ذلك..!!.