تمكين المرأة حق من حقوقها التي كفلها الإسلام، فلم يجعل التمكين فقط خاصاً بالرجل من دون المرأة، بل قال تعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ"، وقال تعالى: "أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَْ". ولا يكون التمكين إلا بقدرة الله سبحانه وتعالى ففي الآية الأولى يقول: "الذين إن مكانهم" وهو دليل على أن الله سبحانه هو المتمكن وهو من يصرف العبد للعبادة ولعمارة الأرض والسعي في طلب الرزق والأجر. ولننظر كيف ربط الله سبحانه وتعالى التمكين بإقامة الصلاة، وتأدية الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أي جعل هذا التمكين مرتبطاً بنظام إسلامي، وليس تمكيناً فوضوياً يتحكم بالفرد. بعكس القرون التي أهلكت بذنوبها بالرغم من أن السماء لم توقف مطرها والأنهار لم تشح بمائها ومع ذلك هلكت وجاء بعدها قروناً آخرين. وهذا ينطبق على مفهوم تمكين المرأة، فالإسلام أعطى المرأة التمكين، وذكر في القرآن قصص كثيرة على ذلك، فقصة ملكة سبأ مع الملك سليمان هي أكبر شاهد على رجاحة عقل المرأة وحسن تدبيرها للأمور، فقد غلب رأيها رأي الكثير من الرجال في مملكتها، وقصص كثيرة عن النساء بقسميهن "العاصيات والمؤمنات". لم يوجد نص واضح يحرم عمل المرأة، أو يحرم عليها الخروج من منزلها للتعلم والتكسب والصلاة والعبادة، لكنه جعل في بيتها خيراً لها ولم يقل لزاماً لها. وجعل خروجها للعمل والمعاش مرتبط بعدة شروط تحفظها، فمنها الحاجة للعمل ونوعيته وموافقته مع الشريعة، وأن تكون موفقة بين عملها في بيتها وبين طلبها للرزق، فلا تفرط في أمانتها وهي رعاية أسرتها على حساب تحقيق ذاتها. المرأة لا تحتاج وصاية من أحد ولكنها تحتاج إعداد وتنشئة سليمة منذ الصغر، لأنها كائن بشري يعقل ويفهم ويقرر ويختار، والرجل مهمته ليست الوصاية بل القوامة إن كان زوجاً والرعاية والنصح والتربية إن كان أباً، ولو فهم كل رجل معنى القوامة جيداً لما رأينا النساء اليوم في وضع لا يحسدن عليه، فالرجل القوام لا يصادر للمرأة رأي، ولا يضرب لها وجه، ولا يسيء لها معاملة، بل يطبق مقولة محمد عليه الصلاة والسلام (استوصوا بالنساء خيراً). المرأة تستطيع أن تكون ما تريد كأن تكون (ربة بيت) أو (سيدة أعمال) أو (موظفة حكومية) أو(تعمل في وزارة) أو (في التعليم بشتى مجالاته) قد تكون (عالمة ومخترعة) قد تكون (داعية وفقيهة)، تستطيع الدولة تمكين المرأة من عملها ولكن يكون هذا التمكين بضوابط تحفظ للمرأة المسلمة حقوقها في العمل وحقوقها في الدين. بعض النساء يعتقدن أن التمكين هو جواز مرور لكل المهن التي يشغلها الرجال، وأن التمكين يعني التحرر من القيود التي تقيدها من سنن ربانية إلى عادات مجتمعية، ولكن التمكين لا يعني مثلاً أن تعمل المرأة في الجيش مقاتلة لتأخذ حقوقها وتستدل بأن هذا من أمور الشريعة في زمن محمد عليه السلام، وهذا من الأخطاء المصاحبة للتمكين لأنه في زمن صدر الإسلام لم يكن هناك جيشاً من النساء بل كانت مشاركة فردية في غزوة أو غزوتين. وإن عملت المرأة في الجيش فمن يدير مملكتها وهي تحرس حدود الوطن وتنسى حدود الأسرة وهي من أولوياتها، فهل من التمكين مثلاً أن يبقى الرجل يغسل الأطباق ويطبخ ويربي الأجيال وزوجته في ساحات النضال؟ والتمكين للمرأة لا يعني أن تنسى واجباتها الدينية مع ربها سبحانه وتعالى، فمن مكَّنها في الأرض من أن تطلب رزقها وتدير أعمالها من حقه عليها أن تمتثل لأوامره بأتباعها وتجتنب نواهيه بالابتعاد عنها. من الأمور التي تطالب المرأة فيها بالتمكين، حقها في اختيار نوعية العمل، وليس بفرض الأعمال عليها والتفكير بدلاً عنها بما يريد الرجل لا ما تريده المرأة، فلا تريد المرأة أن يكون التمكين لها على حساب عدة قضايا فقهية ومجتمعية تكون المرأة فيها طرفاً للنزاع. أحياناً المطالبون بحقوق المرأة يخلطون بين جهل العادات، وبين عدل الآيات وسماحة الدين الإسلامي ويسره، فمن قضايا قيادة المرأة للسيارة، إلى قضية عملها في أعمال لا تحفظ كرامتها ولا حقوقها الوظيفية من تأمين وحماية وسلم رواتب منصف يشجعها على دخول مجالات العمل. تمكين المرأة ليس تحريرها من عباءة الدين والأخلاق، بل تمكينها فيما تقرر وبما تفكر، وعلى المرأة أن تعرف أن تمكينها لا يعني تجبرها أو تمردها، بل التمكين هو حقها في هذه الحياة فهي من تملك القرارات الشجاعة لمواجهة أي تحدي يواجهها.