كنتُ في استديو قناة الحرّة بالقاهرة، أتجهّزُ للحديث عن الأزمة المتوقعة، في ضوء استمرار ترشيح مصر للدكتور مصطفى الفقي أمينًا عامًّا للجامعة العربية، وإصرار قطر على ترشيح الدكتور عبدالرحمن العطية قبل أن يبلغني أحد الزملاء بسحب مصر للفقي، والتقدم بنبيل العربي. والحق أن نوبة فرح مباغت انتابتني، وفرضت نفسها على الجميع؛ وذلك لأسباب متعددة، أبرزها طي صفحة خلاف كان متوقعًا، ليس بين القاهرة والدوحة فقط، وإنما بين كتلتين عربيتين، إحداهما كانت ستصوّت للفقي؛ تقديرًا لدور مصر، والأخرى للعطية؛ تشجيعًا لدور قطر. وَلَكَمْ كان رائعًا أن تبادر قطر بسحب مرشحها، فور ظهور اسم العربي. في مقابل التوافق العربي الذي وصل إلى حد تبادل وزراء الخارجية للتهاني مع بعضهم البعض. جاء الاعتراض السخيف من قلب إسرائيل، التي سارعت كالعادة بإلصاق تُهمة معاداة السامية للأمين الجديد، مؤكدة للعالم أن العربي سيقود 22 دولة للهجوم على إسرائيل. والحاصل أن العربي أظهر العين الحمراء لإسرائيل منذ اليوم الأول لتسلّمه حقيبة الخارجية المصرية، ليس على طريقة التهديد والوعيد، وإنما بطريقة براجماتية، عبّرت عن نفسها بفتح المعابر للأشقاء الفلسطينيين، واتمام المصالحة الفلسطينية/ الفلسطينية. ولقد كان يمكن لإسرائيل أن تغتبط لرحيل العربي من الخارجية المصرية، أملاً في وصول وزير من نوعية السيد أبو الغيط، أو غيره من وزراء يعملون ألف حساب لأصغر إسرائيلي على حساب أي شيء! لكنّ واقع الحال في مصر يشير إلى أن زمن التدليل الزائد عن الحد انتهى لغير رجعة. إنّ نظرةً سريعةً على أسماء المرشحين للخارجية المصرية تشير إلى أن واحدًا من ثلاثة قد يخلف العربي في المنصب، وهم على الترتيب: نبيل فهمي ابن اسماعيل فهمي، صاحب الموقف الشهير من كامب ديفيد، ومحمد العرابي سفير مصر في ألمانيا، وصاحب المواقف المشرفة في مواجهة الادّعاءات الإسرائيلية، وسامح شكري مندوب مصر في الأممالمتحدة، صاحب الشخصية القوية، والرأي الحر في التعامل مع إسرائيل. وبافتراض أنّ أيًّا من هؤلاء تسلّم حقيبة الخارجية المصرية، فإن الأمر الثابت أن سياسة مصرية جديدة ستنشأ، إن لم يكن نشأت بالفعل في التعامل مع إسرائيل. وحتى لا نذهب بعيدًا نقول إنه موقف العرب المتمسّك بالمبادرة العربية، التي أهداها خادم الحرمين الشريفين للعالم الحر، كآخر حل سلمي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. تحية للعربي نبيل الذي أرسى في ثلاثة أشهر سياسة عربية متوازنة في التعامل مع إسرائيل، ولعل الأخيرة تدرك أن التهويش بمعاداة السامية لن يجدي نفعًا مع الحالة العربية الجديدة. وتحية للعطية، وللدوحة التي بثّت الحيوية في الأمانة العامة لجامعة العرب.