* أطاحت ازدواجية الفكر بالطغاة والملحدين والجبابرة في العالم أجمع، ولست بصدد ذكر لشخصيات عُرفت بالتناقض والتعسف، والازدواجية في الفكر خاصة، والشخصية عامة.. فهذا واضح للعيان، والأمثلة متوفرة، والبعض من الدول والشعوب والأسر –أيضاً- منهارة شكلاً ومضموناً، إذ ما يهم كيف تغلغلت وانسكبت الازدواجية إلى الفكر وإلى الطباع والسلوك ليس من شخصيات في الماضي بل من العصر العاصف اليوم. * علماء النفس يقولون: إن ازدواجية الشخصية من الأمراض النفسية (المستعصية) في الفكر والتوجه أو في الطباع والسلوك، وهي من أخطر الأمراض على الكيان المجتمعي والأسري، إلا أنني لا أعلم اليوم إلى أي حد بلغت الحيرة بعلماء النفس من الوضع المرتهن والحالي لإنسان هذا العصر الذي أصبح يتأرجح أغلب وقته ما بين وظائفه الفكرية الذهنية والنفسية المزاجية في تضارب غريب من تقلبات وتناقضات تعصف بفكره حتى يغدو كالعصف المأكول ما بين الجنون والانهيار على شفا هار، هذه الرياح شديدة الهبوب من أفكار مجتمعة تسمى (العصف الذهني) وهي عاصفة من خلط بغيض للأفكار تضرم الحقد والحسد والغيرة السلبية والأنانية المفرطة والكره فتحدث فاجعة، أو أنها تكون وتتكوّن (أي الأفكار) من الألم من المعاناة طويلة الأجل، ومن فيض الضغوط والإحباط، والإهانة والانكسار، وهذه تحدث ثورة أو تمرد أو انتقام. * إن الازدواجية في الإنسان أن يأتي بسلوك في مواقف تناقض سلوكه المعتاد، وهذا المرض النفسي بالذات قد استفحل في بعض شرائح المجتمع حيث العصر مادي بحت، أغفل الكثير من القيم والمبادئ التي هي ركيزة الإنسان وانضباطه وتوازنه، واكتساب سلبيات البيئة المعاش فيها أو إيجابياتها وغراس التربية والصحبة والأصدقاء المحيطين يؤثر بشكل كبير في مخيلة الإنسان، مع كل ما كان من تلقي المعلومات والإرسال الفضائي وسلوكيات العمل والمتاجر والأسواق والضنك الاجتماعي ذو العلاقات الفاترة أو المستفزة وكل ما حولنا وكل ما يشاهده الفرد يسهم وبشكل مباشر في أن يأتي الإنسان بسلوك مناقض لسلوكه المعتاد، ولنحذر هذه التناقضات والسلبيات في مخيلة التفكير حتى لا تصبح مع الوقت مرضاً نفسياً لا يمكن للفرد أن يسيطر عليه، ولا يعني أيضاً أن نقحم الأبرياء أو الأصحاء في متاهاتنا إن كنا على ازدواجية مكتسبة أو مرضية. * لقد وهبنا الله تعالى قدرة عظيمة على التكيف، ولكن إن أصيبت أو كانت الأجواء التي نعيش فيها ملوثة فلابد من التغير الذي يحفظ لنا ديننا وأخلاقنا ومبادئنا، ولكل إنسان منا شخصية تميزه.. إلا أن وراء تلك الشخصية عقلية ناضجة وفكر سوي، وشخوص يجتمعون في شخص واحد.. وهذا ما يميز الإنسان.. ولكن المهم أن نفهم وندرك كيف نتعامل مع هذه الشخصيات التي تكمن في دواخلنا ويطغى كل واحد منها علينا من دون أن نشعر بوجودها.. فالشخص نفسه هو فقط من يدرك سلامة سريرته من الشوائب والأمراض التي قد تطال هؤلاء الأشخاص بداخله.. فإذا لم نجاهد النفس يومياً ونتعهدها، لن ننعم بالسلامة من أوبئة هذه الدنيا.. والويل كل الويل لمن أعطى نفسه هواها.. إذ لن يجد بداخله سوى الحرقة ونيراناً تأكل بعضها بعضاً.. ليتمثل أمامنا شيطاناً بهيئة إنسان.. فالسيئ منا قبل السوي يلهث وراء سعادته بطريقة أو بأخرى.. ولن تتحقق السعادة ولن تتعافى قلوبنا وعقولنا وتستقيم حياتنا إلا بحسن النية ثم حسن النية.. وما الازدواجية إلا من طغيان الأفكار السلبية ومن سوء النية والاعتقاد الخاطئ، وتلك السبل والعياذ بالله قد تؤدي إلى الجنون أو الانفصام أو إلى قشة في مهب الريح. قال تعالى: (وَمَن كَانَ في هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ في الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً).