إذا كان المشهد مضحكاً فلا بأس أن تضحك. وإذا وردت طرفة قصد منها السلبية والإمتاع فلا بأس أن تضحك. وإذا اضطررت للضحك فلا مانع أن تضحك.. وشر البلية ما يضحك! ولكن أن تضحك في كل حين، وتضحك عند سماع أي كلمة، وأن تقلب الجد هزلاً فتلك مصيبة وأي مصيبة!! لقد عرف بعض خلق الله بحب الهزل والإبداع فيه، وتحويل الجد إلى هزل، وتطورت الحال حتى عمت المدرسة والمسجد والمجالس كلها. ومن عجيب أمر أولئك أنهم يضحكون في كل مكان وحتى المقبرة وهم يرون الجنازة توضع في القبر!! وكانت البداية من وهم سعة الصدر وفهم خاطئ للتوجيه النبوي الكريم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)! وزاد من الوهم ضيق في الأفق وقلة في الإدراك أوصل إلى قناعة بما لا يصح وهو (إن الإنسان لا بد أن يكون في واحد من حالين فقط: إما حزن وبكاء وتقطيب وجه، وإما ضحك دائم وقهقهة يسمعها الداني والقاصي ولا تنبئ إلا عن تبلد في الإحساس وموت للقلب! والعاقل يعرف أن لكل مقامٍ مقالاً، والاعتدال من الصفات التي يتجلى بها أولو الألباب وهناك حالات كثيرة تستدعي منا إنصاتاً وتقديراً للمتكلم وحسن الحوار معه دون أن نقلب الجد هزلاً ونفقد مجالس العلم والأدب والتربية قيمتها وبهاءها بألفاظ ساقطة وتعليقات سخيفة واستهزاء وتفنن في انتقاء الحكايات الضعيفة لغرض واحد لا ثاني له هو تحقيق البطولة في إضحاك الناس وكسب أكبر عدد ممكن من عشاق مجالس الأنس والثرثرة وإضاعة الأوقات. وأجزم أن أصحاب هذا التوجه وتلك الطريقة ستطول حسرتهم ويطول ندمهم إذا تفرق عنهم الأصدقاء وهجرهم الأخلاء وتنكر لهم القرناء وجحدهم الجلساء لأن علاقاتهم كانت هزلاً وثرثرة وحماقة.. وكذباً! • عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية