طالعنا بعض الزملاء من محامين وقانونيين أنهم بصدد إعداد ما أسموه “وصفة قانونية” لتقديمها إلى المجلس الأعلى للقضاء، توصي بتوسيع صلاحيات القضاة بما يتناسب مع التطورات التي حصلت في كل القطاعات، وخاصة في القطاع العقاري والمصرفي؛ حتّى يتسنّى للقاضي أن يبتَّ في كل الدعاوى المطروحة أمامه دون إلحاق الغبن بحقوق الطرف المتضرر. ومن موقعي القانوني أثمّن عاليًا هذه “الوصفة”، وما تضمنته من مقترحات، ولكني أرى أنه من المفيد أن نضيف إليها أمورًا أخرى تتعلّق بالتأهيل، كونه العامود الفقري الذي يضمن سلامة تطبيق الصلاحيات، أو بالأحرى سلامة توسيع الصلاحيات. فالمجتمع السعودي قد شهد في السنوات الأخيرة -بفضل توجيهات أولياء الأمر- الكثير من التطورات والتحوّلات التي واكبت ما هو حاصل عالميًّا، دون أن يمس معتقداتنا وأنظمتنا وقواعد سلوكنا الذي ننتهجه دينيًّا واجتماعيًّا. ومن الضروري عند حصول تطور اقتصادي أو اجتماعي أن تتطور الأحكام التي تلازم عادة الشأن الذي شهد التطور. ولكن القيام بذلك يستدعي بالضرورة امتلاك المخوّل بالتغيير “مؤهلات وإمكانيات وطاقات” لا يمكن أن يكتسبها من تلقاء نفسه، بل من خلال خضوعه لدورات مختصة ومكثفة تشرف عليها جهات ضالعة في مجال الاختصاص. وعليه لا تفي بالغرض هنا تنظيم رحلات استكشافية أو عقد لقاءات دردشة مع جهات قانونية دولية، بل يجب تنظيم دورات تأهيل للقضاة السعوديين بإشراف مراكز قانونية دولية مختصة ملمة بمتطلبات المتغيرات التي حصلت، وعلى بينة بخصوصياتنا القضائية. وبما أن التطوير مطلوب من حيث المبدأ في المجالات العقارية والمصرفية، فإننا نقصد بذلك حقل الاستثمار الذي يستأثر حاليًّا باهتمام كبير على المستوى الرسمي والخاص، والتي تعمل ليل نهار من أجل اجتذاب الرساميل الخارجية ليس فقط الأجنبية، بل أيضًا الوطنية المهاجرة، والتي تبلغ قيمتها نحو 700 مليار دولار. وفيما لو تم إنجاز ما أشرنا إليه، فإن من شأن ذلك أن يعزز دور المملكة العربية السعودية، وأن يوفر كل الضمانات للمستثمر، كما من شأن ذلك أن يرفع من منسوب الاستثمارات في سائر القطاعات. هكذا أفهم مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الداعي إلى تطوير عمل القضاء، بحيث لا يكون التطوير عبر بناء محاكم جديدة، ولا عبر عقد اتفاقيات تفاهم وتعاون مع مراكز قضائية لتبادل النشرات والمطبوعات، وحضور المؤتمرات والندوات، بل من خلال إعداد الدورات المتخصصة بعد أن يتم وضع برنامج عملي لها يأخذ بعين الاعتبار ما يريده السعوديون، وليس ما يجب أن تتبناه السعودية من وجهة نظر الغرب. يضاف إلى ذلك مسألة هامة هي أننا بحاجة إلى حملة إعلامية دولية لتوضيح حقيقة أحكامنا من الاستثمار الوطني والأجنبي في المملكة العربية السعودية، بغية دحض الأفكار الخاطئة المزروعة في أذهان البعض ممّن يظن أن الشريعة الإسلامية مخالفة للقواعد الدولية.