وأنا غارق في متابعتي الدقيقة لتفاصيل مشهد عُرس الأمير وليام دوق كيمبرج على عروسه الكونتيسة كاثرين بحسب ما أنعمت عليها ملكة العرش البريطاني، أخذت أفكر مليًا في السبب الذي دفع بتلك الجموع الغفيرة من الناس ذكورًا وإناثًا، كبارًا وصغارًا، للتدافع الحضاري الجميل أمام الساحات وعلى قارعة الطريق ومنذ ليالٍ خلت قبل موعد الزفاف، بهدف إلقاء نظرة خاطفة على العروسين لحظة انتقالهما صوب الكنيسة لإتمام مراسيم الزفاف، أو لحظة ذهابهما إلى القصر، والأعجب أن تنتقل تلك الجموع الغفيرة من الناس بعد ذلك طواعية وعلى محياها تباشير السعادة، ودون أن يظهر عليها أي ملامح للتعب والإرهاق، تخطو بسكينة وجلال، في مشهد مهيب يملك عليك نفسك، ولا تستطيع معه إلا أن تقف إكبارا لأولئك الذين ملأوا الساحات والأروقة والشوارع المحيطة بالقصر، بهدف أن يرمقوا نظرة خاطفة للعروسين حال إطلالتهما من على شرفة القصر لمدة لا تتجاوز العشر دقائق. تاه بي الحال وأنا أشاهد ذلك المنظر المهيب، لاسيما وأننا في مشهدنا العربي قد بتنا نعيش جُمَعًا مختلفة في كينونتها، تحمل في طياتها كل ملامح الغضب والحنق على حِقب سالفة، جُمَعًا يحتشد فيها الناس وقلوبهم مكلومة، منددين وداعين قياداتهم للرحيل بنفوس ساخطة، جُمَعًا تشكلت ملامح تفاصيل مشهدها بلون قاتم، وخلت من ألوان المحبة والصفاء، فهي جمعة الغضب تارة، وجمعة الفرصة الأخيرة، وجمعة التحدي، وجمعة الصمود، وجمعة الزحف، وهكذا دواليك. في حين كان المقلب الآخر يشهد جمعة المحبة والسعادة المكللة بألوان زاهية من الزهور البهيجة؛ سألت نفسي: ترى ما الذي عدا مما بدا؟ لماذا يعيش أولئك متناغمين مع أنفسهم ومع بعضهم البعض إلى الدرجة التي تتحول فيها مناسبة خاصة جدًا إلى عرس وطني، بل إلى الدرجة التي حفزت الكثرة الكاثرة لأن تعيش حالة فرح وكأن العروسين يَمُتان إلى كل واحد منهم بصلة قريبة جدا؟ تساءل في ظني قد بات واجبًا علينا التفكير في مكنون إجابته بجد بالغ، وأعرف أن كثيرًا منكم يحمل في دواخل نفسه إجابة شافية عليه، وأتمنى أن يعلن الجميع رأيه بكل شفافية ووضوح، حتى نساهم في تصويب حالتنا المعاصرة، التي يعتريها الكثير من الخلل، المؤدي إلى ما بتنا نعيشه من سخط ونقمة، صبح مساء في عدد من عواصم بلداننا العربية، وحتى أكون صادقًا مع دعوتي سأكون أول من يُدلي برأيه بكل وضوح وصدق، وأرجو أن ألامس جوهر أزمتنا العربية المعاشة، التي تتمركز بحسب تصوري في فقدان بعض الشعوب العربية لقيمةِ ما يجب أن تعيشه من عدل وحرية ومساواة، ذلك الثالوث الذي أصبح ومنذ قرنين على الأقل ملازمًا لطبيعة الحياة الاجتماعية في عديد من الدول الغربية، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على كثير من تفاصيل حياتهم اليومية، حيث مع العدل والحرية والمساواة يتمتع الإنسان بكامل حقوقه الطبيعية على أقل تقدير، ويشعر المرء بخصائص إنسانيته، فينتفي بشكل عام كل ألوان الاستبداد والاضطهاد الحاصل بين السلطة والرعية، لاسيما وأن أسس مقومات تلك العلاقة قد ارتكزت على مفاهيم الحس التعاقدي وليس التراحمي، وهو ما يؤدي إلى تلاشي كل كوامن النزاع الشخصي بين الطرفين. والغريب أن ذلك في واقع الحال هو ما أسسه وأكد عليه الخلفاء الراشدين خلال فترات حكمهم، على أن الأمر سرعان ما تبدل من بعد نهاية تلك الحقبة الراشدة، ليأخذ الحكم منحى آخر يعتمد على الحس التراحمي في تدبير شؤون الحكم، ويتميز بتكريسه للفردية السياسية، وهو ما تريد الجماهير اليوم في عديد من عواصم عالمنا العربي تبديله لتصل إلى النقطة الأساس الضابطة لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفقًا للنموذج الراشدي، الذي توافقت مع جوهره في الوقت الراهن كثير من أنظمة الحكم الغربي، مما حقق لإنسانها مساحة كبيرة من العدل المنشود، وأدى إلى تنامي الشعور بالاستقرار النفسي والأمان المجتمعي، الذي كان دافعًا إلى خوض غمار التنمية بسرعة وثبات مُطردين. [email protected]