نعم أعرفُه، وأعرفُ مواقفه.. إنه الرئيس السنغالي عبدالله واد، الذي قال مخاطبًا شعبه بالأمس: (سأرحل) إن أردتم! ورغم أنه استدرك قائلاً: (لستُ طاعنًا في السن)، بما يحول دون ترشيحي لفترة ولاية ثالثة، فإنه عاد فقال: (إذا خرج السنغاليون بأعداد كبيرة لمطالبتي بالرحيل، فسأرحل، لن تكون هناك ثورة، أو انقلاب). هذا هو عبدالله واد، الذي عرفتُه مناضلاً، وجلستُ معه على الأرض أمام منزله، بعد أن افترش لي حصيرة متهالكة.. لقد امتدّت معرفتي بالزعيم السنغالي سنواتٍ طويلةً، وبالتحديد طوال فترة الرئاسة الأخيرة للرئيس السابق عبده ضيوف، الذي ضرب هو الآخر مثلاً رائعًا للديمقراطية، وتبادل السلطة على مستوى الجمهوريات الإفريقية، بل والعالمية. في المرة الأولى التي زرتُ فيها السنغال كنتُ مدعوًّا من الرئيس ضيوف، ومع ذلك حرصتُ على لقاء عبدالله واد؛ بصفته الفكرية الثقافية، وباعتباره امتدادًا طبيعيًّا لسنجور وغيره من قادة القارة السمراء.. والحق أنني التقيتُ به هذه المرة متخفيًا، ومنحّيًا سيارة الضيافة، مستقلّاً (تاكسي) متهالكًا. وفي المرة الثانية كانت المنافسة على الرئاسة مشتعلة، فالتقيتُ المرشحين قبل أن يصبح عبدالله واد زعيمًا شعبيًّا يحظى بحب الجماهير. هكذا قضى عبدالله واد معظم سنوات حكمه.. من الشعب إلى الشعب، دون واسطة، أو حواجز.. لكنها الحياة!! الرئيس الذي حمله الناس على الأعناق معارضًا، ثم رئيسًا شعبيًّا، بدأ يستشعر أن ثمة مَن يطلبون منه الرحيل! ربما كان بعضهم من أولئك الذين حملوه على أعناقهم.. ربما كان منهم قادة لحملاته الانتخابية.. لكنها الحياة!. تخرج المسيرات المطالبة بالرحيل على استحياء، 5 آلاف، ثم 20 ألفًا وقد تزيد، لكنها أبدًا لن تصطدم برغبات البقاء للأبد.. صحيح أن للرئيس واد أولادًا مثل جمال وعلاء حسني مبارك، لكنهم أبدًا لن يقبلوا أن يتعرّض أبوهم لأي موقفٍ مُهين.. فضلاً عن أن الوالد نفسه لا يرضى بذلك. يقول واد (أنا الرئيس الوحيد في حالة ارتياح دائم من الاحتجاجات.. إنها ظاهرة خاصة مرتبطة بشخصيتي، ربما لأني رجل أفعال، لا مجرد أقوال). صدقت يا واد السنغال ووالدها، وأهلاً بك في نادي الزعماء المخلصين الحقيقيين.. السابقين. [email protected]