عندما تشتد الأزمات يصبح اللجوء إلى الجهة التي تستطيع المساعدة في إيجاد حلول سريعة من الضرورات. ولكن ذلك يعني في الوقت نفسه أن جهات أخرى فشلت، ولم يعد بالإمكان الاعتماد عليها. ومن هذا المنطلق فإن الدولة -حفظها الله- تريد حلاً سريعًا لمشكلة تصريف المياه في مدينة جدة التي تعرضت لمأساتين عامًا تلو الآخر، نتج عنهما أضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات، رغم المبالغ الكبيرة التي صُرفت لحل تلك المشكلات. المواطن يترقب متى تختفي شاحنات الصرف التي تجوب شوارع المدينة على مدار الساعة، تنقل الأذى من مكان وترميه في مكان آخر لا يبعد كثيرًا عن الأحياء السكنية، بالإضافة إلى ما يتسرب في الشوارع خلال الرحلات المكوكية على مدار الساعة، لتتغذى منه البعوض، وتتضاعف أعدادها، وكأن تلك الشاحنات مظهر حضاري يجب أن تعتز به عروس البحر الأحمر! لقد سألني أحد الأصدقاء: لماذا أشغل نفسي بموضوع مثل هذا الذي لا يسر مَن يكتب، ولا مَن يقرأ عنه، لما فيه من الأذى للحواس الخمس وللكرات الدموية، وللصحة العامة بدون استثناء. وكان جوابي، إنني أعيش وأسرتي وأهلي ومجتمعي هذه المشكلة، ومن واجبي الكتابة عن مثل هذا الشأن المتعب الذي أصبح معضلة اجتماعية يجب حلها، وبأسرع وقت ممكن قبل أن تواجه جدة كارثة أخرى -لا سمح الله- في الأعوام المقبلة. وبعد أن قرر ولي الأمر -أطال الله في عمره، ومتّعه بالصحة والعافية- تكليف أرامكو بتولي مهمة معالجة الموضوع، فلا بد أن يكون هناك جدية لحل سريع بمستوى يليق بمدينة جدة -بوابة الحرمين الشريفين- ولا بد لنا من الانتظار.. ولكن إلى متى؟.. لقد سمعت من بعض المختصين أن الموضوع سيأخذ عددًا من السنين لا تقل عن خمس سنوات حتى نرى نتائج مرضية، وإذا كان الأمر كذلك، فإن المطلوب معرفة الخطة والفترة الزمنية التي ستقدم عليها شركة أرامكو، لتطمين المجتمع بأن المشروع سيتم إنجازه قريبًا، لكي لا يصاب السكان بمزيد من الإحباط مثلما حصل في الماضي. والسؤال، إلى متى سنظل نعتمد على جهة واحدة مثل أرامكو للتصدي لبعض المعضلات التي تعجز عنها الأجهزة المعنية؟ والإجابة عن هذا السؤال تكمن في تقنين العقوبات، وترسيخ الممارسات المهنية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وفق آليات مؤسساتية، تركز على المقدرة، والتأهيل العلمي، ولا تقبل الوساطة والمحسوبية. وعندئذٍ يكون لدينا مؤسسات كثيرة مثل أرامكو يمكن الاعتماد عليها، والاستعانة بها وقت اللزوم. وحتى ذلك الوقت ستظل مشاريعنا تتعثر والأموال تهدر، والتسيّب على قدم وساق، ومن بعد ننادي.. فتش عن أرامكو. إن تجربة أرامكو ترينا ثنائية الفشل والنجاح التي تجاهلناها طويلاً في سلوكنا الإداري حتى استفحل الفساد، وسوء الإدارة، ودفعتنا الأزمات للبحث عن الحل لنجده قريبًا منَّا ولكننا لم نره إلاّ بعد هدر كبير في الموارد والوقت الذي لا يعوض. وشركة أرامكو -كما هو معلوم- تنفذ معظم مشاريعها عن طريق شركات ومقاولين محليين مؤهلين حسب مواصفات مدروسة ومعتمدة. ولا تعمل بمبدأ أقل الأسعار، ولا تبالغ في التكلفة، وتقوم بإعداد المواصفات والعقود، وتحدد مدة التنفيذ، ومواعيد البدء في المشروع، وتطبق غرامات سوء التنفيذ والتأخير، وتشرف على مراحل التنفيذ خطوة خطوة، ومن يخالف ذلك يحذف اسمه من قائمة التأهيل المعتمدة لديها. وربما يكون لديها إخفاقات كثيرة بعيدة عن الأنظار ولكنها تظل الأفضل. شكرًا لخادم الحرمين الذي أرانا كيف نستعين بأرامكو، وتحية حارة لتلك الشركة التي أسست وعمقت المفاهيم المهنية من خلال الممارسة، والإصرار عليها. [email protected]