قال الضَمِير المُتَكَلّم: الأسبوعان الماضيان كَشَفَا عن صورة الحِوار عند العرب، وعَرّيَا جَسَد بعض المثقفين العرب أو من هكذا يزعمون!! النماذج كثيرة ولكن نكتفي بحادثتين أما الأولى: فحصلت في برنامج حواري على (قناة الفَرَاعِين) المصرية، وكان بين مثقفين مختلفي الرأي؛ وما هي إلا دقائق ويتحول الحوار اللفظي إلى سِباب وشتائم بمفردات سوقية بذيئة، ثم إلى تهديد بالضَرْبِ (بالْجِزَم) ؛ تلا ذلك مطاردة أمام التّصوير المباشِر، وهنا لاذت المذيعة بالفرار!! أما الثاني: فكان مسرحه قناة (الديمقراطية الفضائية) فرع قناة المستقلة، وكان النقاش بين عراقيين حول بعض النقاط الساخنة، لتزداد السخونة حتى مرحلة الانفجار على الهواء مباشرة، وكانت البداية في تبادل قصف كثيف من الألفاظ البذيئة، ثم تلاه تشابك بالأيدي واستخدام للكراسي!! هاتان الحادثتان وغيرهما فيها إثبات لأمرين: أولهما: أن بعض الناعقين باسم الثقافة، وتحت مصطلح الفكر، وخلف ديباجة (الخبير الإستراتيجي) مجرد عقول فارغة جوفاء، تحفظ المصطلحات وترددها كالببغاوات، وألسنة سليطة تختفي وراء البهرجة الإعلامية!! وهنا تكمن مصيبة حاضرنا ومستقبلنا؛ فإذا كان أولئك هم مَن يقودون مجتمعا وينظرون له، ويرسمون استراتيجياته؛ فألف رحمة ونور على ذلك المجتمع! وثانيهما: أن لغة الحوار الواعي الناقد المؤمن بالتعددية الفكرية مازالت حلماً عند العَرب؛ فالهيمنة مازالت لفردية الرأي وأحاديته، وفرضه بمنطق الذَراع مفتول العضلات، والقوة المفرطة أياً كان نوعها حتى ولو كانت قوة (الزعيق والصياح)!! ولذلك لابد للعرب من إعادة النظر في مفردات مناهجهم وأساليب تربيتهم ومؤسساتهم التعليمية والثقافية للوصول إلى صناعة وإنتاج مثقفين حقيقة لا وصفَاً يحملون الفكِر، وليس (السَّبّ واللعن والطّعن)، وبلوغ محطة الحوار الراقي الذي يؤمن بالمخالف، ويقبل منه حتى وإن اختلف معه!! حتى ذلك الحين دعوة صادقة (أبعدوا أطفالكم عن تلك البرامج الحوارية، ولعل المناسب أن يشترط أن تكون لمن هم 18 +)، ثم لِتَحْذر يامَن تُشاهد فربما اخترق (حذاء أحدهم) الشاشة!! ألقاكم بخير والضمائر متكلمة .