يهتم الإنسان في الغالب بمعرفة الآخرين .. والبحث عن أحوالهم .. وكشف أنماط شخصياتهم. و يهمل توجيه شيء من هذا الاهتمام نحو ذاته ! فالأجدر هو أن يعطي كل إنسان شيئاً من الاهتمام لمعرفة ذاته معرفة جيدة. لأن هذه المعرفة هي نقطة الانطلاق نحو النجاح في عالم التواصل الإنساني الذي لا يستطيع المرء أن يهمله أو يهمشه. لأنه يحتاج للتواصل مع الآخرين كل لحظة وكل يوم. ولكي يجيد مهارات التواصل الإنساني لا بد أولاً أن يجيد فن تكوين التصوّر الجيد لنفسه. فالذات تتباين مدى معرفتها من قبل صاحبها ومن قبل الآخرين. فقد يعرف المرء عن نفسه ما لا يعرفه الآخرون عنه، وقد يعرف الآخرون عنه ما يجهله عن ذاته. وقد يجهل المرء عن نفسه الكثير كما يجهله الآخرون عنه. فهناك جانب مضيء من الذات يمثّل الميول والاتجاهات والأفكار والمشاعر والقيم التي يعرفها الشخص عن نفسه والتي يعرفها الآخرون عنه أيضاً. فمثلاً.. قد يعرف الشخص عن نفسه أنه كريم كما يعرف عنه الآخرون هذا. وتتسع هذه المساحة من الذات حسب طبيعة العلاقة بين صاحبها وبين الآخرين. فكلما كانت العلاقة وثيقة متصفة بالألفة..كلما اتسعت مساحة هذا الوعي والعكس صحيح. أما الجانب الآخر من الذات فهو ما يعرفه الآخرون ويجهله الشخص نفسه. فهو جانب مضيء للآخرين ضبابي للشخص نفسه. فقد يلاحظ الآخرون مثلاً أنك تكرر عبارة معينة على نحو نمطي أكثر من انتباهك لهذا الأمر الذي ربما تجهله!! أو يلاحظون انك تتكلم بصوت عال ونبرة حادة أو مرتفعة أكثر مما ينبغي بينما أنت لا تشعر بذلك.كما توجد مساحات خفية من النفس لا يعرفها إلا صاحبها. كأن يكون وحده الذي يعرف -مثلاً- انه مصاب بنوع ما من الفوبيا، أو يعاني من الأرق أو القلق. أما الذات المظلمة فهي مجهولة لدى صاحبها ولدى الآخرين أيضا. مدفونة في حيز اللاشعور الذي يصعب الوصول إليه. وهذه الجوانب من الذات تختلف من شخص لآخر ، لكنها تلعب دوراً كبيراً في تواصله مع الآخرين. فكلما كان الإنسان أكثر انتباهاً إلى هذه الأمور والأبعاد في وعيه لذاته.. كان أكثر نجاحاً في التواصل مع الآخرين، وأكثر قدرة على التقليل من مشكلاته، وتحقيق أهدافه. فمشكلة جهل الإنسان بنفسه يعاني منها الكثيرون، وذلك لأننا عادة نعطي اهتماماً لأشياء كثيرة حولنا..سواء كانت مهمة أو صغيرة ونسمع للآخرين ونمنحهم وقتا طويلا، ونبخل على أنفسنا بسويعات قليلة نتأمل فيها أنفسنا. ونراجعها ونتعرف عليها ونصاحبها ونحاول أن نرقى بها ونطورها. وفشلنا في تحقيق هذه العلاقة مع أنفسنا ينعكس تلقائياً على علاقتنا بالآخرين، ويسبب فشلاً فيها. لذا أصبح من الطبيعي والعادي أن نسمع كل يوم بل كل ساعة عن خلافات لا تنتهي بين زوجين أو شريكين أو صديقين أو جارين..الخ. فنحن نعيش يومياً صراعات رهيبة في العلاقات الإنسانية. ثم نسمع أصحاب هذه الصراعات وهم يعلنون ندماً ويبكون حسرة وتأنيباً للضمير. فتسمع البعض يقول: لا أدري كيف فعلت هذا؟ لا أستطيع تفسير موقفي!! لا اعرف ماذا أريد!!وغيرها من التعبيرات التي تدل على عدم وعى وإدراك للنفس ولردود أفعالها!! فكثيراً ما يقف المرء عاجزاً عن تعليل موقفه، أو تفسير رأيه ومع ذلك يطلب من الآخرين أن يفهموه!! ولكن كيف لهم أن يفهموا من لا يستطيع فهم نفسه؟ ومع ذلك نجد انه لا يحدث أن يقف المرء مع نفسه متأملاً ذاته ليصحح مسارها أو يقوم اعوجاجها، أو يفهم دوافعها، ويفسر ردود فعلها!!..لأنه لا يعرف، أو لم يعتد ذلك.. ولأننا غالباً نظن أن الخلل في الآخرين وليس فينا!!