النمو الحضاري والعمراني والتنموي الذي تحقق لمدن المملكة وقراها منذ أول خطة خمسية تنموية دشنت عام 1390ه/1970 م فاق التوقعات عندما اختصر المسافات والأزمنة في وقت قياسي ، ويكفي التطلع إلى مدينة جدة - كمثال – للوقوف على أبعاد وحجم ما تحقق على هذا الصعيد ، فقد امتد النطاق العمراني في عروس البحر الأحمر ليتضاعف عدة مرات لما كان عليه في بداية الخطط الخمسية ، وتعددت وتنوعت المؤسسات والمرافق الخدمية ، وأصبحت تلك المدينة التي لا يغمض لها عين تضم عددًا لا يحصى من المدارس والمعاهد والكليات والمستشفيات والمراكز الصحية ، وتعج بعشرات الفنادق والتوكيلات العالمية ، إلى جانب أفرع لأشهر المحلات والمراكز التجارية والبنوك الكبرى والمطاعم الراقية ، وأصبح بها منطقة صناعية تضم آلاف المصانع ، إلى جانب القرى والمنتجعات السياحية ، وهو ما جعلها في مصاف المدن العالمية التي يتسابق رجال الأعمال من كافة أرجاء العالم على زيارتها والاستثمار فيها ،وذلك إلى جانب ملايين المسلمين الذين يأتون من كل فج عميق لأداء مراسم الحج والعمرة والزيارة على مدار العام ليعبروا إلى بيت الله الحرام عبر بوابة هذه المدينة التاريخية العريقة. بيد أن أهالي هذه المدينة الحالمة بمينائها العتيد وكورنيشها الساهر وتراثها الأصيل في منطقة البلد وما حولها ، ، هؤلاء الأهالي لا يزال لديهم حلمًا عزيزًا يتطلعون إلى تحقيقه منذ عدة سنوات : أن تختفي إلى الأبد مشكلة تصريف السيول ومياه الأمطار التي تشكل بقعة حمراء في جمالية اللوحة الجميلة لمدينتهم ، لا سيما بعد أن تحولت تلك المشكلة في الآونة الأخيرة إلى ما أصبح يسمى كارثة سيول جدة الأولى والثانية ، وهو ما دفع خادم الحرمين الشريفين إلى إيلاء هذا الموضوع أهمية قصوى سواءً من خلال توجيهاته السامية بوضع حلول جذرية للمشكلة لضمان عدم تكرارها ، أو بضرورة محاسبة المسؤولين عن حدوث تلك الكارثة. إعلان وزارة الداخلية أمس الأول عن إحالة محاضر استدلال تشمل 302 شخص و30 شخصية اعتبارية من المتهمين في تلك الكارثة يأتي تأكيدًا للجدية وتنفيذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – وخطوة هامة على طريق تحقيق حلم أهالي جدة بأن تكون مدينتهم عروس البحر الأحمر بحق وحقيقة .