الحياة في ركضها المستمر، وأحداثها الدامية المتوالية، جعلت من الموت أمرًا نستقبله بدهشة فاترة، وحزن عابر، إلاّ أن رحيل بعض الأشخاص، يوقظ فينا معنى «الموت» الحقيقي، فتعود إلينا الدهشة من الرحيل الفاجع، ويسقط علينا الحزن فيملأ القلب أسى ولوعة.. نعم.. هكذا كان رحيل الصديق الأديب محمّد صادق دياب في يوم الجمعة 4 جمادى الأولى 1432ه، الموافق 8 إبريل 2011م، أمرًا استثنائيًّا، فما إن نقل إلينا الناعي النبأ الفاجع حتى التجأ القلب إلى الإنكار، واتّجه الخاطر إلى النفي، ليس إنكارًا للقدر، ولا جحودًا لإرادة الله، فذاك أمر راسخ في قلوبنا إيمانًا وتسليمًا.. ولكنها النفس حين تفاجئها الفجيعة فيمن تحب على حين غرّة.. وأي فجيعة هي..! إنها رحيل «دياب».. كوكب المحبة الدائر في مجرة الصدق.. «دياب» الذي جمعتني به أواصر الصداقة منذ وقت بعيد، التقينا في حب «جدة»، فرأيت في محياه صورتها وتاريخها، لقد ظل مهمومًا بها، يقرأ سيرتها بوله، ويتأذى من ألمها.. يخاف على سمتها التاريخي، وطرازها الأثري أن تطمسه يد التحديث العمراني ومتطلبات الحياة العصرية.. ولذلك كان يتخذ مجلسه في وسط البلد بحي الهنداوية، بحثًا عن كنوز الحكايات التي تحتفظ بها قلوب كبار السن.. هكذا كان «دياب»، وفيًّا لمدينته، وذات الوفاء يخص به أصدقاءه ومَن يعرفونه، كل واحد منهم يحدثك عن فيض المحبة الذي يسبغه عليه، وكأنه المعني بهذا التقدير دون غيره، ليكتشف من بعد أن كل الأصدقاء يجدون من «دياب» ذات القسط الموفور من المحبة، الصادر عن نفس متبطنة بالحب، ومجبولة على الوفاء.. تنظر إلى «دياب» وهو يجيل عينيه في المكان، فتدرك أنه يخطط في خاطره لكتابة جديدة، بطعم مختلف، صفحة وجهه تبدو صافية حين تنظر إليه في صمته، ولكن عقله يغدو مسرحًا لتفكير مستمر، وخاطره يقلّب الأفكار والأحداث كيفما هي سعته الكبيرة في النظر، فإذا المحصلة بعد حين مقال متميز على إحدى صفحات جرائدنا، أو مؤلف جديد ترى فيه صورة «دياب» المبدع، صاحب القلم السيّال، والرؤية الإبداعية بتفرد يحمل الديباجة «الديابية»؛ فتدرك مدى إمكانية هذا المبدع الكبير.. إن الحديث يطول عن الأديب الصديق محمّد صادق دياب، فجوانب شخصيته عديدة، وعلاقته بأصدقائه كانت مميزة، وإبداعه كان متنوعًا، بما يستوجب علينا جميعًا أن نعمل على تكريم هذا الرجل بما يستحق، وفاءً لأبي غنوة.