لم يقتصر الهجوم على الليبرالية السعودية على خصمائها من التيار الإسلامي، ولا على عراب الحداثة السعودية الدكتور عبدالله الغذامي الذي وصفها بالموشومة لا.. بل أضحت الليبرالية السعودية حقل تجارب لكل من انقطعت به سبل الإثارة للجدل، وما الإعلامية نادين البدير إلاّ خير برهان على ذلك، حيث شنت مؤخرًا هجومًا عنيفًا على الليبراليين السعوديين، واصفة إيّاهم «بالجبناء الذين لا يقوون على معارضة السائد، ولا يجرؤون على انتقاد حشرة» هذا فضلاً عن الهجوم الذي تشنه مواقع الإنترنت والمنتديات على كل فكرة يمكن وصفها بالليبرالية. كل هذا الهجوم الذي تلقته الليبرالية السعودية لم يواجه بأي تعليق، أو أي رد شافٍ سوى بعض الردود والتعليقات التي كانت غاية في الخجل، والذي خص أغلبها هجوم الغذامي الشرس، وربما كان ذلك للصدمة التي فاجأهم بها كونهم يعتبرونه الأب الروحي للفكر الليبرالي في السعودية، حتى وإن لم يصرح هو بذلك ملتمسين هذا الشعور من تبنيه السابق للكثير من القضايا التي يرون هم بأنها أسس لليبرالية الحقة. من هنا تتوارى الأسئلة القابعة بين أنفاس الليبراليين السعوديين (لماذا كل هذا الهجوم؟ ولماذا نحن غير قادرين على الذود عن ليبراليتنا؟ وهل حقًّا أن ليبراليتنا موشومة؟ وهل فعلاً بأننا جبناء لا نجرؤ على انتقاد حشرة؟! وكل هذه الأسئلة وغيرها وقبل طرحها للنقاش يجب أن يدرك كل مَن فكر أو يفكر في التحلّي بالمبادئ الليبرالية أنه ولكونها -أي الليبرالية السعودية- مشروعًا مازال في طور الإنشاء بالنسبة لمجتمعنا، فإن الواجب عليه أن يقدم إجابات شافية وافية، ليس بالتمادي في الجدل البيزنطي، بل بالفكر النيّر الحر الذي تقوم عليه الليبرالية، أمّا الادّعاء بأن الليبرالية تسمح لمنتقديها بالنقد، وأن الرد على مثل هذه الأسئلة إنما هو هدم لمبادئها.. فليسمح لي كل مدّعٍ بذلك أن أقول له: صحيح أن الليبرالية تقوم على مثل هذه المبادئ إلاّ أن ذلك لن يتحقق ما لم تكن هي قد تجاوزت بمجتمعها مثل هذه الأسئلة..! ولعل أحد أهم الأسباب التي جعلت الليبرالية السعودية عرضة لمثل هذا النقد الجارح هو غياب أفرادها، بل وتبرأهم منها في كل لقاء يحاولون فيه توضيح وجهات نظرهم.. فما أن يتم سؤال أحدهم عمّا إذا كان يتبنى وجهة نظر ليبرالية..؟ حتى يتبرأ من ذلك معللاً ذلك بأنه لا يؤيد التصنيف ولا المسميات، وغرارًا على ذلك يمارس هذا التواضع (الهروب) الشعراء والنقاد وكل من له علاقة بالمشهد الثقافي السعودي كما لو أنها حالة من (فوبيا التصنيف) مع العلم أن التصنيف -من وجة نظري- حق مشروع لكل مفكر حيث الناقد يجب أن يقر بأنه ناقد والشاعر كذلك، ومن باب أولى الليبرالي يجب أن يقر بذلك، وتلطيفا للأجواء.. لِمَ لا نضع ذلك تحت مظلة (التصنيف الواعي)..؟! تمامًا كما مارس ذلك من قبل الدكتور الغذامي حين عرف الحداثة بالتجديد الواعي، علمًا أن الإقرار والاعتراف بذلك ليس من باب الإثارة، بل للانطلاق بأولى خطوات خارطة طريق الليبرالية السعودية، ولتتضح جليًّا الأسماء الصامدة من الأسماء المتسلّقة التي ستتساقط كأوراق الخريف أمام فوبيا هذا التصنيف ليبدأ بعد ذلك العمل على وضع الأطر والأسس التي يجب أن تقوم عليها الليبرالية السعودية، وذلك بالخوض في أعماقها لا بالخوض في قشورها، وجعلها قائمة على ردود الأفعال كما هو حالها في الوقت الراهن. بهذا ستصبح الليبرالية السعودية واقعًا قويًّا سيفرض نفسه على كل من يتهكم بطبيعتها الهشة، بل وستتجاوز ذلك إلى أن تصبح محرّكًا ومؤثرًا فاعلاً في الحِراك الثقافي والاجتماعي جاعلة من مبادئها التي تتجلّى في تخليص المجتمع من الارتهان للماضي إلى الرهان على المستقبل والانتقال به إلى المستوى المأمول همّها الأوحد، والذي متى ما تحقق.. متى ما تجاوزنا أزمة الإجابة عن أسئلة فهمنا المشوه. جازان