تضاعفت أعداد السكان في معظم مناطق المملكة خاصة المدن الكبرى منها مثل جدة والرياض ومكة والمدينة والدمام، وصاحب هذه الأعداد المتزايدة زيادة الطلب على المياه العذبة سواء كانت للزراعة أو الصناعة أو لأنشطة السكان الحضرية المختلفة، مما أثر كثيرا على مخزون المياه الجوفية، وأدى إلى نقص كبير في إمدادات المياه في مناطق المملكة المختلفة. أضف إلى ذلك التغيرات المُناخية التي تمر بها الكرة الأرضية والتي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على كميات التساقط وزيادة معدلات الجفاف. وبحكم موقعنا في النطاق الجاف، وقلة مواردنا المائية، فقد اتجهت الدولة نحو تحلية مياه البحر لسد احتياجات السكان من المياه، ولمواجهة المتطلبات الحضرية لهذا العنصر المهم، فرغم التوسع الكبير في إنشاء محطات التحلية على طول الساحلين الغربي والشرقي للمملكة، وإنتاج كميات كبيرة من المياه تفوق ال (مليار جالون يوميا)، إلا أن العجز ما زال قائما، والطلب المتزايد عليها يزيد يوما بعد يوم، فحتى بعد التوسع الضخم في الطاقة الإنتاجية لمحطات التحلية في السعودية إلا أنها تعجز أحيانا عن تلبية احتياجات الناس خاصة في أشهر الصيف الجافة عالية الحرارة، أو في أشهر الحج التي يؤمها ملايين من الحجاج. وهنا يأتي دور تشجيع القطاع الخاص في بلادنا في أن يستثمر أمواله في توفير المياه العذبة، إما عن طريق الاستعذاب (التحلية)، بإنشاء محطات تحلية مصغرة بواقع (50.000 – 100.000 جالون يوميا)، خاصة بالقرب من المدن ذات الكثافات السكانية العالية والتي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، لتخفيف الضغط الواقع على المحطات الكبرى التي تعمل بكل طاقاتها ولا تفي باحتياجات البلاد. وحبذا لو توجه رؤوس الأموال المحلية كذلك للاستثمار في معالجة مياه الصرف الصحي، بحيث تنشأ محطات معالجة في مواقع مختلفة من المدن الكبرى لتنقية مياه صرفها ومن ثم توجيهها إلى المناطق الزراعية القريبة منها للاستفادة من هذه المياه المهدرة والتي تعاني من ويلاتها معظم المدن الكبرى في المملكة. إن دعم الدولة للقطاع الخاص وتحفيزه للمساهمة في بناء المنشآت الحيوية المهمة مثل محطات التحلية ومحطات معالجة المياه العادمة لتكون عاملا مساندا للمحطات الكبرى، و رافدا مهما لتوفير المياه العذبة، لهو أمر في غاية الأهمية، ويحتاج إلى دراسة وتفعيل من قبل الجهات المسؤولة في الدولة وعلى رأسها وزارة المياه والكهرباء. إن إنشاء محطات تحلية المياه مكلف جدا ويحتاج إلى دعم ومؤازرة من قبل الحكومة خاصة فيما يتعلق بتكاليف الإنشاء والتشغيل والصيانة وتوفير الطاقة المحركة لهذه المحطات، ولكن مع كل هذه التكاليف الباهظة فإن مردود هذا العمل الرائد وعلى المدى البعيد سوف يكون ايجابي النفع على البلاد والعباد. إن تشجيع القطاع الخاص في الاستثمار في توفير المياه البديلة (التحلية ومعالجة الصرف)، لسد احتياجات المجتمعات الحضرية والعمل على تطويرها والتوسع فيها سوف يكون له جدوى اقتصادية عظيمة على المدى الطويل، بل سوف يقلل سعر التكلفة للتر الواحد من المياه بشكل كبير، خاصة إذا عملنا على تطوير هذا المرفق وحرصنا بهمة على الاستمرار فيه، لا سيما وأن المملكة تعتبر من الدول الرائدة في هذا المجال، إذ أنها تنتج أكثر من ثلث الإنتاج العالمي للمياه المحلاة. يجب أن تشجع الدولة أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة على الاستثمار في الماء، وتوفيره بأسعار رمزية في متناول الجميع، فهو من أفضل الأعمال التي تقرب العبد إلى الله، لاسيما وأن الماء عزيز الوجود في بلادنا لأنها ذات بيئة جافة، قليلة الأمطار، عديمة الأنهار، محدودة الموارد المائية. ولا ننسى دعم الدولة لهؤلاء المستثمرين بالمال والطاقة حتى يكون الهدف من توفير هذا العنصر ساميا يضمن الأمن المائي لسكان هذه البلاد. د. محمود إبراهيم الدوعان [email protected]