في 230 صفحة من القطع المتوسط يقدم لنا الشاعر والروائي الفلسطيني الأردني إبراهيم نصر الله مرافعة إنسانية ضد ما يعرف بجرائم الشرف، وهي مرافعة يمكن القول إنها ورغم ما سنبديه عليها من ملاحظات (جوهرية بالنسبة إلينا) تبدو أكثر بلاغة من كل الكلام الذي ساقته وتسوقه جماعات التمويل الأجنبي والمنظمات النسوية ضد الظاهرة (وضد القانون الذي يخفف الحكم على القاتل في عدد من الدول العربية)، ولا نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت الرواية جزء من الحملة المضادة للظاهرة إياها، أم أنها مبادرة شخصية من الكاتب. نقول ذلك لأن الظاهرة ليست بذلك الاتساع والتأثير الذي يجعلها تستحق رواية (15 حالة سنويًا في الأردن، وحوالي خمسين في مصر)، لكن وضعها ضمن ذات منظومة القيم الذي تناضل من أجلها المنظمات إياها قد يجعلها كذلك، وهنا تكمن الخطورة. ثمة في بعض المجتمعات العربية من الظواهر ما هو أكثر خطورة بكثير على الإنسان من ظاهرة جرائم الشرف، فهناك الفقر والبطالة والمخدرات وحوادث السير، وقبل ذلك الفساد والظلم بمختلف أشكاله. ثم إن الجهات الأجنبية التي تعنى بهذه القلة القليلة من النساء اللواتي يُظلمن تحت مسمى جرائم الشرف، لم يُسمع لها صوت يذكر فيما يتصل بجرائم الاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان، والتي يصل ضحاياها إلى مئات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلا عن ملايين المهجرين. في الرواية نجح الكاتب في دفعنا نحو حالة من التعاطف الاستثنائي مع بطلته الضحية (منار) التي تغتصب وتحمل رغما عنها، وللمفارقة بسبب خلاف المجرم مع أخيها الذي يتورط هو نفسه بقتلها في نهاية الرواية، وبالطبع لكي يغسل شرف العائلة ويحيل الراية السوداء على شرفة البيت إلى راية بيضاء. والحق أن حالة من النوع الذي تشير إليه الرواية تستحق التعاطف من دون شك، ونحن من موقع التزام إسلامي نرفض الحكم بالقتل على مثل هذه الحالات، لكننا لا نتجاهل حالات أخرى مشابهة قد تكون أكثر عددا لا تعاقب من قبل الأهل على ذلك النحو، بل يجري الستر عليها بهذه الطريقة أو تلك. منار هي محور الرواية، لكن الكاتب، ومن باب التنويع في الحالات يشير إلى حالات أخرى. مشكلة الرواية هي أن مضمونها يقترح علينا مجتمعًا منفتحًا بالكامل لا يمت إلى قيمنا بصلة، وهي ذات المشكلة التي نواجهها مع بعض المنظمات الأجنبية التي تسعى من خلال طرح قضية جرائم الشرف إلى دفعنا نحو تبني ثقافة أجنبية لا تأخذ في الاعتبار محددات ديننا وأعرافنا وقيمنا. علينا تبعا لذلك أن نأخذ مسألة الشرف بروح رياضية، وأن نتقبل أن تدخل علينا بناتنا وقد اصطحبن أصدقاءهن، تماما كما لو كانوا أزواجا دخلوا من الباب وطلبوا أيديهن وتزوجوهن على سنة الله ورسوله. في هذا السياق نجد الرواية تتعامل مع قصة الحب التي عاشتها منار مع زميلها عصام في الجامعة كما لو أنها المسار الطبيعي لأي فتاة، بل يبالغ في الترويج للأمر عبر إصرار عصام على التمسك بها وطلب الزواج منها، مع أنها خرجت معه مرارًا إلى السينما وإلى المولات، الأمر الذي كانت تعلم تماما أنه مرفوض من قبل أهلها الذين بالغوا في الثقة بها وتدليلها رغم فقرهم (والدها تحديدًا) كما يقول النص. وكما هو حال روايات أخرى في عدد من الدول العربية تناولت قضايا المرأة والقضايا الاجتماعية عمومًا، تقترح الرواية علينا قيمًا لا تمت إلى مجتمعنا بصلة، فالعلاقات المنفتحة بالكامل ليست من ديننا ولا من قيمنا، وأحسب أن غالبية المسلمين لا يسمحون لبناتهم بإقامة علاقات غرامية مع أي شاب مهما كان، بل إن الأكثرية أيضا لا توافق على ذلك لأبنائها حتى لا يذهب البعض نحو هجاء التمييز. أما اختلاف ردة الفعل بين الحالتين فمرده مصلحة البنت، وبالطبع لأن فرصتها في الزواج بعد علاقة غرامية فاشلة ومكشوفة ستكون أقل، فضلًا عن أن تفضي إلى وقوع المحظور. خلاصة القول هي أن هذا الاهتمام الغربي بالمرأة في ديارنا لا صلة له البتة بحقوق الإنسان، ولا بالتقدم والتنمية، بقدر صلته بإرادة نزع عنصر القوة الأهم في بلادنا ممثلا في تماسك الأسرة الذي يعتمد بشكل أساسي على المرأة. [email protected]